ويرى بعض المفسرين أن المراد بالناس هنا : العرب خاصة ، فإنهم كانوا حنفاء على ملة إبراهيم ، إلى أن ظهر فيهم عمرو بن لحى الذي ابتدع لهم عبادة الأصنام.
قال الآلوسى : «قوله (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) أى : وما كان الناس كافة من أول الأمر إلا متفقين على الحق والتوحيد من غير اختلاف ، وروى هذا عن ابن عباس والسدى ومجاهد .. وذلك من عهد آدم ـ عليهالسلام ـ إلى أن قتل قابيل هابيل. وقيل إلى زمن إدريس ـ عليهالسلام ـ وقيل إلى زمن نوح. وقيل كانوا كذلك في زمنه ـ عليهالسلام ـ بعد أن لم يبق على الأرض من الكافرين ديار إلى أن ظهر بينهم الكفر.
وقيل : من لدن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلى أن أظهر عمرو بن لحي عبادة الأصنام ، وهو المروي عن عطاء. وعليه فالمراد من الناس العرب خاصة. وهو الأنسب بإيراد الآية الكريمة إثر حكاية ما حكى عنهم من رذائل ، وتنزيه ساحة الكبرياء عن ذلك» (١).
وقوله : (فَاخْتَلَفُوا) أى ما بين ضال ومهتد ، فبعث الله إليهم رسله ، ليبشروا المهتدين بجزيل الثواب ، ولينذروا الضالين بسوء العقاب.
والفاء للتعقيب ، وهي لا تنافى امتداد زمان اتفاقهم على الحق ، لأن المراد بيان أن وقوع الاختلاف بينهم إنما حدث عقيب انتهاء مدة الاتفاق ، لا عقيب حدوثه.
والمراد بالكلمة في قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ...) ما قضاه الله ـ تعالى ـ وأراده من تأخير الحكم بين المؤمنين وغيرهم إلى يوم القيامة.
أى : ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير القضاء بين الطائعين والعاصين إلى يوم القيامة ، لقضى بينهم ـ سبحانه ـ في هذه الدنيا. فيما كانوا يختلفون فيه وذلك بأن يعجل للكافرين والعصاة العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، ولكنه ـ سبحانه ـ اقتضت حكمته عدم تعجيل العقوبة في الدنيا ، وأن يجعل الدار الآخرة هي دار الجزاء والثواب والعقاب.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة الوعيد الشديد على الاختلاف المؤدى إلى التفرقة في الدين ، وإلى الشقاق والنزاع ، كما تضمنت تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من قومه : فكأنه ـ سبحانه ـ يقول إن الاختلاف من طبيعة البشر ، فلا تنتظر من الناس جميعا أن يكونوا مؤمنين. ثم حكى ـ سبحانه ـ لونا آخر من ألوان تعنت المشركين وجهالاتهم فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٩٠.