يقال : عقب الفرس في عدوه ، أى : جرى بعد جريه. وعقبه تعقيبا. أى : جاء عقبه.
و «من» في قوله (مِنْ أَمْرِ اللهِ) بمعنى باء السببية.
والمعنى : لكل واحد من هؤلاء المذكورين ممن يسرون القول أو يجهرون به ، ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار ويحيطون به من جميع جوانبه لحفظه ورعايته ، ولكتابة أقواله وأعماله ، وهذا التعقيب والحفظ ، إنما هو بسبب أمر الله ـ تعالى ـ لهم بذلك.
قال ابن كثير : وفي الحديث الصحيح : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ـ سبحانه ـ وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادي؟. فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون».
وفي الحديث الآخر : «إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع ، فاستحيوهم وأكرموهم». أى : فاستحيوا منهم وأكرموهم بالتستر وغيره.
وقال عكرمة عن ابن عباس «يحفظونه من أمر الله ، قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه» (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ ، وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ).
أى : إن الله ـ تعالى ـ قد اقتضت سنته ، أنه ـ سبحانه ـ لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وخير بضده ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة إلى معصية ؛ ومن جميل إلى قبيح ، ومن صلاح إلى فساد.
وإذا أراد ـ سبحانه ـ بقوم سوءا من عذاب أو هلاك أو ما يشبههما بسبب إيثارهم الغي على الرشد ، فلا راد لقضائه ، ولا دافع لعذابه.
وما لهم من دونه ـ سبحانه ـ من وال أى من ناصر ينصرهم منه ـ سبحانه ـ ويرفع عنهم عقابه ، ويلي أمورهم ويلتجئون إليه عند الشدائد.
فالجملة الكريمة بيان لمظهر من مظاهر عدل الله في شئون عباده ، وتحذير شديد لهم من الإصرار على الشرك والمعاصي وجحود النعمة ، فإنه ـ سبحانه ـ لا يعصم الناس من عذابه عاصم. ولا يدفعه دافع.
قال الإمام ابن كثير : «قال ابن أبى حاتم : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بنى إسرائيل أن
__________________
(١) تفسير ابن كثير المجلد الرابع ص ٣٥٩.