فإذا ما أبوا الرد عليك عنادا وصلفا ، فجابههم بالحقيقة التي لا يستطيعون إنكارها ، وهي أن الله وحده هو رب هذه الأجرام ، لأنه هو خالقها وموجدها على غير مثال سابق.
وقوله ـ سبحانه ـ (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أمر ثالث منه ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم لإفحامهم وتبكيتهم.
فالهمزة للاستفهام التوبيخي ، والفاء للعطف على مقدر بعد الهمزة.
والمعنى : أعلمتم حق العلم أن الله ـ تعالى ـ هو الخالق للسموات والأرض ، فتركتم عبادته ـ سبحانه ـ واتخذتم من دونه «أولياء» أى نصراء عاجزين ، لا يملكون لأنفسهم ـ فضلا عن أن يملكوا لغيرهم ـ نفعا يجلبونه لها ، ولا ضرا يدفعونه عنها.
وجملة «لا يملكون» صفة لأولياء ، والمقصود بها تنبيه السامعين للنظر في تلك الصفة ، فإنهم إن أحسنوا التفكير في هؤلاء الأولياء ، أيقنوا أنهم أحقر من أن يلتفت إليهم ، فضلا عن أن يطلبوا منهم شيئا.
ثم أمره ـ سبحانه ـ للمرة الرابعة أن يبرهن لهم على بطلان معتقداتهم عن طريق ما هو مشاهد بالحواس فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ).
أى : قل لهم ـ أيضا ـ أيها الرسول الكريم : كما أنه لا يستوي في عرف كل عاقل الأعمى والبصير ، والظلمات والنور ، فكذلك لا يستوي الكفر والإيمان ، فإن الكفر انطماس في البصيرة ، وظلمات في القلب ، أما الإيمان فهو نور في القلب وإشراق في النفس.
فالمراد بالأعمى الكافر وبالبصير المؤمن ، كما أن المراد بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان.
وعبر القرآن الكريم في جانب الظلمات بصيغة الجمع ، وفي جانب النور بصيغة الإفراد ، لأن النور واحد ومن نتائجه الكشف والظهور. وتعدد أسبابه لا يغير حقيقته.
أما الظلمة فإنها متنوعة بتنوع أسبابها ، فهناك ظلمة الليل ، وهناك ظلمة السجون ، وهناك ظلمة القبور ، وهناك ظلمة العقول التي كان من نتائجها تعدد أنواع الكفر والضلال ، كما هو الحال في شأن اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الذين انحرفوا عن طريق الحق.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى التهكم بهم عن طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم ، وإهمالا لشأنهم فقال ـ تعالى ـ : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ...).