وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : «والذين صبروا» فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف «ابتغاء وجه ربهم» لا ليقال ما أصبره وأحمله للنوازل ، وأوقره عند الزلازل. ولا لئلا يعاب بالجزع ، ولئلا يشمت به الأعداء ، كقوله :
وتجلدي للشامتين أريهم |
|
أنى لريب الدهر لا أتزعزع |
ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ، ولا مرد فيه للفائت.
وكل عمل له وجوه يعمل عليها ، فعلى المؤمن أن ينوى منها ما به كان حسنا عند الله ـ تعالى ـ وإلا لم يستحق به ثوابا ؛ وكان فعلا كلا فعل ، (١).
«وأقاموا الصلاة» أى : أدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والأذكار ، بخشوع وإخلاص. «وأنفقوا» بسخاء وطيب نفس «مما رزقناهم» أى : مما أعطيناهم من عطائنا الواسع العميم. «سرا وعلانية» أى : ينفقون مما رزقناهم سرا. حيث يحسن السر ، كإعطاء من لم يتعود الأخذ من غيره ، وينفقون «علانية» حيث تحسن العلانية ، كأن ينفقوا بسخاء في مجال التنافس في الخير ، ليقتدى بهم غيرهم «ويدرءون بالحسنة السيئة» ، والدرء : الدفع والطرد. يقال : درأه درءا ، إذا دفعه.
أى : أن من صفات أولى الألباب ـ أيضا ـ أنهم يدفعون بالعمل الصالح العمل السيئ ، كما في قوله صلىاللهعليهوسلم «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» أو أنهم يدفعون سيئة من أساء إليهم بالإحسان إليه ، أو بالعفو عنه ، متى كان هذا الإحسان أو العفو لا يؤدى إلى مفسدة.
قال صاحب الظلال ما ملخصه : «وفي الآية إشارة خفية إلى مقابلة السيئة بالحسنة ، عند ما يكون في هذا درء السيئة ودفعها لا إطماعها واستعلاؤها ، فأما حين تحتاج السيئة إلى القمع ، ويحتاج الشر إلى الدفع ، فلا مكان لمقابلتهما بالحسنة ، لئلا ينتفش الشر ويتجرأ ويستعلى.
ودرء السيئة بالحسنة يكون غالبا في المعاملة الشخصية بين المتماثلين فأما في دين الله فلا.
إن المستعلى الغاشم لا يجدي معه إلا الدفع الصارم ، والمفسدون في الأرض لا يجدي معهم إلا الأخذ الحاسم ، والتوجيهات القرآنية متروكة لتدبر المواقف ، واستشارة الألباب ، والتصرف بما يرجح أنه الخير والصواب» (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٥٧ ـ بتصرف قليل.
(٢) في ظلال القرآن ج ١٣ ص ٢٠٥٨ للأستاذ سيد قطب.