مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ)(٣٥)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ...) تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من حزن بسبب تعنت المشركين معه. ومطالبتهم له بالمطالب السخيفة التي لا صلة لها بدعوته ، كطلبهم منه تسيير الجبال وتقطيع الأرض ، وتكليم الموتى.
والاستهزاء : المبالغة في السخرية والتهكم من المستهزأ به. والإملاء : الإمهال والترك لمدة من الزمان.
والتنكير في قوله (بِرُسُلٍ) للتكثير ، فقد استهزأ قوم نوح به ، وكانوا كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة سخروا منه.
واستهزأ قوم شعيب به وقالوا له : (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١).
واستهزأ قوم هود به وقالوا له : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ .....) (٢) واستهزأ فرعون بموسى فقال : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٣).
والمعنى : ولقد استهزأ الطغاة والجاحدون برسل كثيرين من قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أى : فأمهلتهم وتركتهم مدة من الزمان في أمن ودعة.
(ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) أخذ عزيز مقتدر (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) فانظر كيف كان عقابي إياهم ، لقد كان عقابا رادعا دمرهم تدميرا.
فالاستفهام للتعجيب مما حل بهم ، والتهويل من شدته وفظاعته وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٤).
قال ابن كثير : وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «وإن الله ليملى للظالم حتى
__________________
(١) سورة الشعراء الآية ١٨٧.
(٢) سورة الأعراف الآية ٦٦.
(٣) سورة الزخرف الآية ٥٢.
(٤) سورة الحج الآية ٤٨.