فالأمر في قوله (سَمُّوهُمْ) مستعمل في الإباحة المصحوبة بالتهديد ، للإشارة إلى عدم الاكتراث بهم وبآلهتهم التي سموها شركاء. وهذا كما يقول العاقل للأحمق الذي لا يحسن الكلام : قل ما شئت فإن كلامك لا وزن له ، ولا خير فيه.
قال الإمام الرازي عند تفسيره لهذه الآية : «واعلم أنه ـ تعالى ـ لما قرر هذه الحجة ـ وهي أن القائم على كل نفس ليس كمن لا يملك شيئا ـ زاد في الحجاج فقال : (قُلْ سَمُّوهُمْ) وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم فعند ذلك يقال : سمه إن شئت.
يعنى : إنه أخس من أن يسمى ويذكر ، ولكنك إن شئت أن تضع له اسما فافعل.
فكأنه ـ تعالى ـ قال : سموهم بالآلهة ، والمعنى : سواء أسميتموهم بهذا الاسم أم لم تسموهم به ، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها» (١) ...
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) للإنكار والتوبيخ.
أى : قل أيها الرسول لهؤلاء الذين جعلوا لله شركاء وسموهم بهذا الاسم : قل لهم على سبيل الإنكار والتوبيخ : أتخبرون الله بشركاء لا وجود لهم في الأرض ، لأنهم لو كان لهم وجود لعلمهم ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أم أنكم سميتموهم شركاء بظاهر من القول أى : بظن من القول لا حقيقة له في الواقع ونفس الأمر.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) أى : بل أتخبرون الله ـ تعالى ـ (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أى بشركاء مستحقين للعبادة لا يعلمهم ـ سبحانه ـ والمراد : نفيها بنفي لازمها على طريق الكناية ، لأنه ـ سبحانه ـ إذا كان لا يعلمها ـ وهو الذي لا يعزب عن علمه شيء ـ فهي لا حقيقة لها أصلا.
وتخصيص الأرض بالذكر ، لأن المشركين زعموا أنه ـ سبحانه ـ له شركاء فيها.
وقوله (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أى : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير معنى متحقق في نفس الأمر ، كتسمية الزنجي كافورا.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ٥٦.