وقوله (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) من الاستحياء بمعنى الاستبقاء ، يقال : استحيا فلان فلانا أى : استبقاه وأصله طلب له الحياة والبقاء.
والمعنى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ أو أيها المخاطب وقت أن قال موسى ـ عليهالسلام ـ لقومه على سبيل الإرشاد والتوجيه إلى الخير : يا قوم (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أى : داوموا على شكر الله ، فقد أسبغ عليكم نعما كثيرة من أبرزها أنه ـ سبحانه ـ أنجاكم من آل فرعون الذين كانوا يصبون عليكم أشد العذاب وأفظعه ، وكانوا يذبحون أبناءكم الصغار ، ويستبقون نساءكم ...
وجعل ـ سبحانه ـ النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه ، مع أنه الآمر بتعذيب بنى إسرائيل للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا في إذاقتهم سوء العذاب.
وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل ، لأن هذا الإبقاء عليهن كان المقصود منه الاعتداء عليهن ، واستعمالهن في الخدمة بالاسترقاق ، فبقاؤهن بعد فقد الذكور بقاء ذليل ، وعذاب أليم ، تأباه النفوس الكريمة.
قال الآلوسى : قوله : (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أى : ويبقونهن في الحياة مع الذل. ولذلك عد من جملة البلاء ، أو لأن إبقاءهن دون البنين رزية في ذاته كما قيل :
ومن أعظم الرزء فيما أرى |
|
بقاء البنات وموت البنينا (١) |
وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا : الأطفال الصغار ، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك ، ولأن قتل جميع الرجال لا يفيدهم حيث إن فرعون وآله ، كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة ، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال ، لما قامت أم موسى بإلقائه في البحر وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.
وقال ـ سبحانه ـ هنا (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) لأن المقصود هنا تعداد المحن التي حلت ببني إسرائيل ، فكان المراد بجملة (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) نوعا منه ، وكان المراد بجملة (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) نوعا آخر منه ، لذا وجب العطف ، لأن الجملة الثانية ليست مفسرة للأولى ، وإنما هي تمثل نوعا آخر من العذاب الذي حل ببني إسرائيل.
بخلاف قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٧٠.