في الحياة الدنيا ، بأن يجعلهم متمسكين بالحق ، ثابتين عليه دون أن يصرفهم عن ذلك ترغيب أو ترهيب.
ويثبتهم أيضا بعد مماتهم ، بأن يوفقهم إلى الجواب السديد عند سؤالهم في القبر وعند سؤالهم في مواقف يوم القيامة.
قال الآلوسى ما ملخصه : «قوله ـ تعالى ـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) أى : الذي ثبت عندهم وتمكن في قلوبهم ، وهو الكلمة الطيبة التي ذكرت صفتها العجيبة .. «في الحياة الدنيا» أى يثبتهم بالبقاء على ذلك مدة حياتهم ، فلا يزالون عند الفتنة ... «وفي الآخرة» أى بعد الموت وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة ، وفي مواقف القيامة ، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك ، ولا تدهشهم الأهوال ..» (١).
هذا ، وقد ساق الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث التي وردت في سؤال القبر ، منها قوله : قال البخاري : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، أخبرنى علقمة بن مرثد قال : سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله : «يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة» (٢).
وقوله : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) بيان لسوء عاقبة أصحاب المثل الثاني وهم الكافرون.
أى : ويخلق فيهم الضلال عن الحق بسبب إيثارهم الكفر على الإيمان.
(وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) فعله ، عن تثبيت من يريد تثبيته ، وإضلال من يريد إضلاله ، حسبما تقتضيه إرادته وحكمته ، لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك مصير الجاحدين الذين قابلوا نعم الله بالكنود والجحود ، وأمر المؤمنين بأداء ما كلفهم به ـ سبحانه ـ من عبادات وقربات ، وساق لهم ألوانا من الآلاء التي تفضل بها على عباده ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٩٤.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ من ص ٤١٣ إلى ص ٤٢٦ طبعة دار الشعب.