حرم آمن ، وجعلهم سدنة بيته .. ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم ، بل أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه : «قوله : (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا ، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا.
وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه ، وجعلهم قوام بيته ، وأكرمهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم ، أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين ، فكفروا نعمته ، فضربهم بالقحط سبع سنين ، فحصل لهم الكفر بدل النعمة ، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر ، قد ذهبت النعمة عنهم ، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم ..» (١).
وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه : «قال البخاري قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ..) حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، سمع ابن عباس قال : هم كفار أهل مكة.
ثم قال ابن كثير : وهذا هو الصحيح ، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار ، فإن الله ـ تعالى ـ بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم رحمة للعالمين ، ونعمة للناس ؛ فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة ، ومن ردها وكفرها دخل النار ...» (٢).
وما ذهب إليه صاحب الكشاف وابن كثير ـ رحمهماالله ـ هو الذي تطمئن إليه النفس ، لأن مشركي مكة ومن سار على شاكلتهم تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة.
وقد أورد بعض المفسرين هنا روايات في أن المراد بهؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، بنو أمية وبنو مخزوم .. ولكن هذه الروايات بعيدة عن الصواب ، ولا سند لها من النقل الصحيح» (٣).
وقوله (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) معطوف على «بدلوا» لبيان رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة والمراد بقومهم : أتباعهم وشركاؤهم في الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك.
والبوار : الهلاك والخسران ، ويطلق أيضا على الكساد. يقال : بار المتاع بوارا ، إذا كسد ، إذ الكاسد في حكم الهالك.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٧٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٢٦.
(٣) راجع تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ١٤٦.