ولا مستغنى عنه ربنا ـ أى هو الذي يحتاج إليه الخلق ...» (١).
والمراد بالإنسان في قوله (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) نوع معين منه وهو الكافر كما في قوله ـ تعالى ـ (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا).
أى : إن الإنسان الكافر لشديد الظلم لنفسه بعبادته لغير الله ـ تعالى ـ ، ولشديد الجحود والكفران لنعمه ـ عزوجل.
ويرى بعضهم أن المراد بالإنسان هنا الجنس.
قال الشوكانى : قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) أى لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه ، وظاهره شمول كل إنسان. وقال الزجاج : إن الإنسان هنا اسم جنس يقصد به الكافر خاصة ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) «كفار» أى : شديد كفران نعم الله عليه ، جاحد لها ، غير شاكر لله عليها كما ينبغي ويجب عليه» (٢).
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ابتدأت ببيان سوء عاقبة الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، وثنت بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يحض المؤمنين الصادقين على الاستزادة من إقامة الصلاة ومن الإنفاق في سبيل الله.
ثم ساقت عشر نعم تدل دلالة واضحة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلمه وقدرته ، وهذه النعم هي خلق السموات والأرض ، وإنزال المطر من السماء ، وإخراج الثمرات به ، وتسخير الفلك في البحار ، وتسخير الأنهار ، وتسخير الشمس والقمر دائبين ، وتسخير الليل والنهار.
ثم ختمت ببيان أنه ـ سبحانه ـ قد أعطى الناس ـ فضلا عن كل ذلك ـ جميع ما يحتاجون إليه في مصالحهم على حسب حكمته ومشيئته ولكن الناس ـ إلا من عصم الله ـ لا يقابلون نعمه ـ سبحانه ـ بما تستحقه من شكر ، لشدة ظلمهم وكثرة جحودهم.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك بعض الدعوات التي تضرع بها إبراهيم ـ عليهالسلام ـ إلى ربه ، وهي دعوات تدل على شكره لخالقه ، وحسن صلته به ، ورجائه في فضله .. فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٣٠.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ١١٠.