والتنكير في قوله (ظَنًّا) للتنويع. أى لا يتبع أكثرهم إلا نوعا من الظن الواهي الذي لا يستند إلى دليل أو برهان.
وقوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) استئناف مسوق لبيان شأن الظن وبطلانه.
والمراد بالظن هنا : ما يخالف العلم واليقين ، والمراد بالحق : العلم والاعتقاد الصحيح المطابق للواقع.
أى : إن الظن الفاسد المبنى على الأوهام لا يغنى صاحبه شيئا من الإغناء ، عن الحق الثابت الذي لا ريب في ثبوته وصحته.
وقوله (شَيْئاً) مفعول مطلق أى : لا يغنى شيئا من الإغناء ، ويجوز أن يكون مفعولا به على جعل يغنى بمعنى يدفع.
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) تذييل قصد به التهديد والوعيد.
أى : إن الله ـ تعالى ـ عليم بأقوالهم وأفعالهم ، وسيحاسبهم عليها يوم القيامة ، وسينالون ما يستحقونه من عقاب بسبب أقوالهم الباطلة. وأفعالهم الفاسدة.
قال صاحب المنار ما ملخصه : «استدل العلماء بهذه الآية على أن العلم اليقيني واجب في الاعتقاديات ، ويدخل في الاعتقاديات الإيمان بأركان الإسلام وغيرها من الفرائض والواجبات القطعية ، والإيمان بتحريم المحظورات القطعية كذلك ...
أما ما دون العلم اليقيني مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في الاعتقاد وهو متروك للاجتهاد في الأعمال ، كاجتهاد الأفراد في الأعمال الشخصية ، واجتهاد أولى الأمر في الإدارة والسياسة ، مع التقيد بالشورى وتحرى العدل ..» (١).
وبعد أن ساقت السورة الكريمة ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ ، وعلى صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى ، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فتحدت أعداءه أن يأتوا بسورة مثله ، ووصفتهم بالجهالة وسفاهة الرأى ، وصورت أحوالهم ومواقفهم من دعوة الحق تصويرا بليغا. استمع إلى السورة الكريمة وهي تتحدث عن كل ذلك فتقول :
__________________
(١) تفسير المنار ج ١١ ص ٣٦٤.