والنفي هنا للشأن الذي هو أبلغ في النفي ، وأعمق في الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله ، من نفى الشيء في ذاته مباشرة.
أى : وليس من شأن هذا القرآن المعجز ، أن يخترعه أو يختلقه أحد من الإنس أو الجن أو غيرهما ؛ لأن ما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغة وتشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات جامعة ... يشهد بأنه من كلام خالق القوى والقدر.
وقوله : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) بيان لكمال هداية القرآن الكريم ، وهيمنته على الكتب السماوية السابقة.
والمراد بالذي بين يديه : الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإنجيل والزبور.
وقوله (بَيْنَ يَدَيْهِ) فيه نوع مجاز ؛ لأن ما بين يدي الشيء يكون أمامه ، فوصف ـ سبحانه ـ ما مضى من الكتب بأنها بين يدي القرآن لشدة ظهورها واشتهارها ، ومعنى تصديق القرآن للكتب السابقة : تأييده لما اشتملت عليه من دعوة إلى وحدانية الله ـ تعالى ـ ، ومن أمر باتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم عند ظهوره.
وأل في (الْكِتابِ) للجنس ، فالمراد به جنس الكتب السماوية التي أنزلها ـ سبحانه ـ على بعض أنبيائه.
والمعنى : ليس من شأن هذا الكتاب في إعجازه وهدايته أن يكون من عند غير الله ، لأن غيره ـ سبحانه ـ لا يقدر على ذلك ، ولكن من شأنه أن يكون مؤيدا للكتب السماوية السابقة فيما دعت إليه من إخلاص العبودية لله ـ تعالى ـ ومن اتباع لرسله ، وأن يكون مفصلا وموضحا لما اشتملت عليه هذه الكتب من تشريعات وآداب وأحكام.
وقوله (تَصْدِيقَ) منصوب على أنه معطوف على خبر كان ، أو على أنه خبر لكان المقدرة أى : ولكن كان تصديق.
وقوله (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) بيان لمصدره.
أى : هذا الكتاب لا ريب ولا شك في كونه منزلا على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم من الله ـ تعالى ـ رب العالمين.
وفصلت جملة (لا رَيْبَ فِيهِ) عما قبلها لأنها مؤكدة له ، ومقررة لمضمونه.
ونفى ـ سبحانه ـ عن القرآن الريب على سبيل الاستغراق : مع وقوع الريب فيه من المشركين ، حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين ، لأنه لروعة بيانه ، وسطوع حجته ، ووضوح دلائله ، لا يرتاب ذو عقل متدبر في كونه وحيا سماويا ، ومصدر هداية وإصلاح.