صلىاللهعليهوسلم : «لا أشك ولا أسأل» ، وهو مرسل يؤيده قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن البصري.
وثانيهما : أن هذا المعنى نزل في سورة مكية أخرى ، كقوله ـ تعالى ـ في سورة الإسراء : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ في سورة الأنبياء : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢).
والذي تطمئن إليه النفس ، أن سورة يونس جميعها مكية ، كما قال المحققون من العلماء ، لأن الذين قالوا بوجود آية أو آيات مدنية فيها لم يأتوا برواية صحيحة تصلح مستندا لهم ، ولأن السورة الكريمة من مطلعها إلى نهايتها تشاهد فيها سمات القرآن المكي واضحة جلية ، فهي تهتم بإثبات وحدانية الله ، وبإثبات صدق النبي صلىاللهعليهوسلم وبإثبات أن هذا القرآن من عند الله ، وأن البعث حق ، وأن ما أورده المشركون من شبهات حول الدعوة الإسلامية ، قد تولت السورة الكريمة دحضه بأسلوب منطقي رصين ..
والذي يطالع هذه السورة الكريمة بتدبر وخشوع ، يراها في مطلعها تتحدث عن سمو القرآن الكريم في هدايته وإحكامه ، وعن موقف المشركين من النبي صلىاللهعليهوسلم ودعوته ، وعن الأدلة على وحدانية الله وقدرته.
قال ـ تعالى ـ : (الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ، أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ).
ثم نراها في الربع الثاني منها تصور بأسلوب حكيم طبيعة الإنسان فتقول (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ، كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) الآية ١٢.
ثم تحكى مصارع الظالمين ، وأقوالهم الفاسدة ، ورد القرآن عليهم فتقول : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ، وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
وبعد أن تمضى السورة الكريمة في دحض أقوال المشركين ، وفي بيان الطبائع البشرية ، نراها في مطلع الربع الثالث. تصور لنا حسن عاقبة المتقين ، وسوء عاقبة الضالين ، فتقول :
__________________
(١) الآية ١٠١.
(٢) الآية ٧ تفسير المنار ج ١١ ص ١٤١ الطبعة الرابعة ـ مكتبة القاهرة.