ويعزب : أى يبعد ويغيب ، وأصله من قولهم : عزب الرجل يعزب بإبله إذا أبعد بها وغاب في طلب الكلأ والعشب. والكلام على حذف مضاف.
أى : وما يغيب ويخفى عن علم ربك مثقال ذرة في الوجود علويه وسفليه ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، إلا وهو معلوم ومسجل عنده في كتاب عظيم الشأن ، تام البيان.
وقوله : (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) تمثيل لقلة الشيء ودقته ، ومن فيه لتأكيد النفي وقدمت الأرض على السماء هنا ، لأن الكلام في حال أهلها ، والمقصود إقامة البرهان على إحاطة علمه ـ سبحانه ـ بتفاصيلها. فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : إن من يكون هذا شأنه لا يخفى عليه شيء من أحوال أهل الأرض مع نبيهم صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) جملة مستقلة ليست معطوفة على ما قبلها.
و (لا) نافية للجنس و (أَصْغَرَ) اسمها منصوب لشبهه بالمضاف ، و (أَكْبَرَ) معطوف عليه. و (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) متعلق بمحذوف خبرها.
وقدم ذكر الأصغر على الأكبر ، لأنه هو الأهم في سياق العلم بما خفى من الأمور.
وقرأ حمزة ويعقوب وخلف (وَلا أَصْغَرَ) بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى : ولا ما هو أصغر من ذلك.
والمراد بالكتاب المبين : علم الله الذي وسع كل شيء ، أو اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شيء.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد أقامت الأدلة على شمول قدرة الله ـ تعالى ـ لكل شيء ، وعلى دعوة الناس إلى الانتفاع بما جاء به القرآن من خيرات وبركات ، وعلى وجوب التزامهم بما شرعه ـ سبحانه ـ وعلى إحاطة علمه بما ظهر وبطن من الأمور.
وبعد أن وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى الناس دعاهم فيه إلى الانتفاع بما جاء في القرآن من خيرات ، وتوعد الذين شرعوا شرائع لم يأذن بها الله ، وأقام الأدلة على نفاذ قدرته ، وشمول علمه.
بعد كل ذلك ، بشر أولياءه بحسن العاقبة ، وأنذر أعداءه بسوء المصير ، ورد على الذين قالوا اتخذ الله ولدا بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم فقال ـ تعالى ـ :