وملاحظة الربط بين أجزاء الكلام يغني عن هذا التوجيه وأمثاله ؛ إذ المناسب لذكر الصفات المتقدّمة وخصوصا الصفة الاخيرة هو التخصيص بالعبادة وهو الاهمّ ، وبمنزلة النتيجة لما قبله لظهور أن لا مستحقّ للعبادة إلا إيّاه من الآيات الثلاث.
وأمّا التخصيص بالاستعانة ، فهو وإن كان من شئون الربوبيّة وغيرها إلا أنّها في مرتبة سائر الشئون من دون ظهور جهة يظهر خصوصيّتها ، بل هو بطلب الهداية أشدّ ربطا وأظهر تعلّقا ، مع أنّه لو عمّم متعلّق الاستعانة كانت العبادة لكونها أهمّ وأعظم أولى بالتقدّم. وإن خصّصت بالعبادة فالاستعانة مقصودة لغيره ، والمطلوب لذاته أشرف وأولى بالتقديم وإن تأخّر ذو المقدّمة في الوجود عن المقدّمة.
ولعلّ في تذييل حصر العبادة بحصر الاستعانة دفعا لما يعرض القارئ حال دعوى العبادة من مبادي العجب ، أو لما يوهمه الكلام من كونه مستقلا في إيجاد العبادة ، كما أنّ الحقّ مستقلّ في الربوبيّة وغيرهما من الصفات المتقدّمة.
[في دلالة الآية على بطلان الجبر والتّفويض]
ومن هنا يظهر أنّ هذه الآية تبطل الجبر بالشطر الاوّل ، والتفويض بالشطر الثاني ، وأنّ تمسّك كلّ منهما على بطلان الآخر به صحيح ، وعلى صحّة مذهبه باطل بل هو نصّ في نسبة فعل العبادة والاستعانة إلى العبد ، وفي كون المعونة من الله سبحانه ، وإنّما يطلبها العبد منه سبحانه ، فليست في يده وتحت قدرته وإلا لما طلبه من غيره. فالعبد عابد بعون الله سبحانه ، وفاعل كذلك ، والله سبحانه معين له ، لا موجد الفعل عليه قهرا بالمعنى. فالشطر الاخر نفى الجبر أيضا ، كما أنّ باقي السورة نفي لهما معا ، بل كلمة الجلالة بالمعنى المتقدّم تدلّ على نفيهما ، إذ المعبود لا يكون معبودا بالفعل ما لم يكن عابد يعبده باختياره. ومن يستقلّ العباد عنه ويستغنون عنه في أفعالهم ليس معبودا بعنوان مطلق ، وكذلك ربّ