وحمل خالد بن الوليد ومعه حماته فقال لهم : لا أوتينّ من خلفي ، وكان يرقب مسيلمة ويطلب الفرصة.
وقتل حامل الراية عبد الله بن حفص فأعطوا الراية لسالم مولى أبي حذيفة فقال : قلتم : صاحب قرآن ، وسيثبت كما ثبت صاحبها قبله حتى مات! قالوا : أجل فانظر كيف تكون! فقال : والله بئس حامل القرآن إن أنا لم أثبت!
فلما اشتد القتال وكانت سجالا بينهم مرة على المسلمين ومرة على الكافرين ، قال خالد : أيها الناس ، امتازوا لنعلم بلاء كل حيّ ، ولنعلم من أين نؤتى. فامتاز أهل القرى والبوادي ، وامتازت القبائل من أهل البادية وأهل الحضر ، فوقف بنو كل أب على رايتهم ، فقال أهل البوادي : الآن يستحرّ القتل في الأجزع الأضعف ، فاستحرّ القتل في أهل القرى ، وكانت المصيبة في المهاجرين والأنصار أكثر منها في أهل البوادي ، وما رئي يوم كان أحدّ ولا أعظم نكاية مما رئي يومئذ.
وكانت رحى الحرب تدور على مسيلمة وهو ثابت ، فعرف خالد أنها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة وإلّا فلا يحفل بنو حنيفة بقتل من يقتل منهم دون مسيلمة ، فبرز خالد أمام الصف وانتمى ودعا إلى البراز فقتل من برز له ، وشعاره : يا محمّداه! وجالوا جولة وانهزموا ، فنادى خالد : دونكم لا تقيلوهم! فهزموهم ، فنادى المحكّم بن الطفيل الحنفي : يا بني حنيفة الحديقة الحديقة ، وتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى بلغوا بهم إلى الحديقة فدخلوها وأغلقوها على أنفسهم وهم عشرة آلاف ، وأحاط المسلمون بهم.
وقال بعض أصحاب مسيلمة له : فأين ما كنت تعدنا؟! فقال : قاتلوا عن أحسابكم (١).
__________________
(١) الطبري ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ ، عن سيف بن عمر ، وفيه أن خالدا دعا مسيلمة للبراز ، بينما يأتي أنه لم يكن ليعرفه. وروى عنه عن القاسم بن محمد بن أبي بكر : أن من قتل من بني حنيفة في هذا الفضاء بعقرباء قبل الحديقة : سبعة آلاف ٣ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧.