وفتحوا رامهرمز وتستر (شوشتر) ونزل الهرمزان من قلعتها على حكم عمر ، فأرسل مع وفد منهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس ، فوصلوا به إلى المدينة ، فوجدوا عمر نائما في المسجد بلا حرس ولا حجّاب ، فأدخلوه عليه وقد ألبسوه ملابسه من الديباج المذهّب وعلى رأسه تاجه مكلّلا بالياقوت ، ومن جلبة الأصوات استيقظ عمر فلما رآه قال : الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشباهه! ثم نزع ما عليه وألبسه ثوبا خشنا. ثم قال له : كيف رأيت عاقبة أمر الله؟ فقال الهرمزان : لما خلّى الله بيننا وبينكم في الجاهلية غلبناكم ، فلما كان الله الآن معكم غلبتمونا (١).
فروى ابن الخياط عن أنس : أنه لما قال له عمر تكلّم ، قال : كلام حيّ أو ميّت؟ (يسأله هل يبقيه أو يقتله؟) فقال عمر : تكلم فلا بأس! فلما أجابه بما قال ، قال لي عمر : يا أنس ما تقول؟ قلت : يا أمير المؤمنين ؛ تركت بعدي عددا كثيرا وشوكة شديدة ، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة فيكون أشدّ لشوكتهم! فقال عمر : أفأستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور السدوسي (قتلا في حصار شوشتر)؟ فلما خفت أن يقتله قلت : قد قلت له تكلّم فلا بأس ، فليس إلى قتله سبيل ، وشهد معي الزبير بذلك ، فأمسك عمر عنه ، فأسلم (٢).
__________________
(١) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٤٠.
(٢) تاريخ خليفة : ٨٢ ـ ٨٣. ودون هذا الخبر المسند عن الحاضر الناظر المباشر أنس ، رووا مرسلا : أن الهرمزان طلب ماء فأتي به ، فقال : أخاف أن يقتلني وأنا أشرب! فقال عمر : لا بأس عليك حتى تشرب ، فرمى الإناء فانكسر ، فهمّ عمر أن يأمر بقتله فقالوا له : إنك بقولك له : لا بأس عليك إلى أن تشرب ، ولم يشرب الماء ، فقد أمنته ، فامسك عمر عنه ، فأسلم ، كما في ابن الوردي ١ : ١٤٠ ـ ١٤١ ، وليس بشيء.