__________________
فترك عمرو في البلد جمعا من المسلمين وتعقّب الهاربين برّا فرجع الهاربون بحرا إلى البلد فقتلوا من به من المسلمين ، وبلغ الخبر عمرا فكرّ راجعا وقاتل قتالا شديدا حتى فتحت ثانية وهرب الرومان بحرا.
وطلب المسلمون قسمة الغنائم والبلد ، فكتب عمرو إلى عمر : إني فتحت مدينة أصبت فيها : أربعمائة ملهى للملوك! وأربعة آلاف حمّام! وأربعة آلاف معبد! واثني عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر ، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية (للروم) وقد فتحتها عنوة بغير عهد.
فأمره عمر أن لا يقسمها بل يحصى أهلها ويفرض عليهم الخراج للمسلمين قوة لهم لجهاد عدوّهم.
وجاء في : ١٨٠ من الكتاب الأصل مختصر الدول ط. عام (١٦٦٣ م) في اكسفورد وعنها في تاريخ التمدن الإسلامي لجرجي زيدان ٢ : ٤٧ ط. مصر : أن عمرو بن العاص كان عاقلا صحيح الفكر حسن الاستماع ، فلما فتح الاسكندرية دخل عليه الأسقف يحيى غرماطيقوس النحوي الذي رجع عن عقيدة التثليث النصرانية فأسقطه الأساقفة ، دخل على عمرو فسمع منه من ألفاظه الفلسفية ما هاله وعرف موضعه من العلوم ففتن به فلازمه لا يفارقه! فقال له يوما : إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها ، وأنا أحتاج إلى كتب الحكمة التي هي في خزائن الملوك. فقال عمرو : حتى استأذن فيه أمير المؤمنين عمر ، فكتب إليه عمرو وعرّفه قول يحيى ، فورد عليه كتاب عمر وفيه : وأما الكتب التي ذكرتها : فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى ، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليه ، فتقدّم بإعدامها!
فشرع عمرو بتفريقها على حمّامات الاسكندرية لإحراقها في مواقدها! فاستنفدت في ستة أشهر! وبتر هذا الخبر من الكتاب في طبعاته اللاحقة رعاية لعواطف المسلمين. نقل كل ذلك الأميني في الغدير ٦ : ٢٩٧ ـ ٣٠٢ ، وزاد عن ابن خلدون ١ : ٣٢ ، وكشف الظنون ١ : ٤٤١.