فأمهل حتى ترجع إلى المدينة فتقول ما تقول بالمدينة متمكّنا ، فيعي أهل الفقه وأشراف الناس مقالتك ويضعوها على مواضعها. فقال عمر : إن شاء الله لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس : ففي أواخر ذي الحجة لما قدمنا المدينة وكان يوم الجمعة وزاغت الشمس عجّلت الرواح إلى الجمعة في المسجد فجلست إلى ركن المنبر ، وخرج عمر فجلس على المنبر ، فلما سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله ثم قال :
أما بعد ، فإني قائل اليوم مقالة ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي! ثم إنه قد بلغني : أن فلانا؟ قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لابايعنّ فلانا؟ فلا يغرنّ امرأ أن يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمّت! وإنها قد كانت كذلك إلّا أن الله قد وقى شرّها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر! فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه! تغرّة (مخافة) أن يقتلا (١)!
وهكذا مهّد للمشورة التي هو يقرّرها ، وحذّرهم من اغتصاب أمر الناس بدونها ببيعة كبيعته فلتة لأبي بكر لا يجوّزها لغيره ، بل يوعدهما (المبايع والمبايع له) بالقتل كائنا من كان حتى ولو كان عليّا عليهالسلام.
__________________
(١) ابن إسحاق في السيرة ٤ : ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ثم عرّج عمر على خبره عن سقيفة بني ساعدة ليحكي بيعته فيها لأبي بكر كيف كانت فلتة كما قال ، وأشار إلى رجلين صالحين من الأنصار ـ هما معن بن عديّ القتيل باليمامة وعويم بن ساعدة وقد مات عام (٢٠) ـ فقال عنهما : أنهما قالا لهما : لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا أمركم! في حين مرّ في الخبر عنهما أنهما أخبراهما عن السقيفة وحثّاهما على الحضور واستعجالهما! ولكنهما اليوم غير أحياء ليصحّحوا الخبر عنهما!