معلّما للقرآن والفقه ، وكان على البصرة منذ سنة (١٦) أبو موسى الأشعريّ وله قراءة ، فيبدو أن قراءته انتشرت في الكوفة إلى جانب قراءة ابن مسعود باختلاف في بعضها ، ولعلّه لمّا أبدى ابن مسعود معارضته لبعض سياسات الخليفة ، أثارت السياسة هذا الخلاف عليه :
فقد روى السجستاني عن النخعي قال : كنت في المسجد بالكوفة على عهد الوليد بن عقبة في حلقة حول حذيفة بن اليمان ، إذ هتف هاتف : من كان يقرأ على قراءة أبي موسى فليأت إلى زاوية باب كندة ، ومن يقرأ قراءة ابن مسعود فليأت الزاوية إلى جانب داره. وظهر من خلافهم في قراءة آية من البقرة فقرأ هذا : «وأتمّوا الحجّ والعمرة لله» وقرأ الآخر : «وأتمّوا الحجّ والعمرة للبيت»!
فاحمّرت عينا حذيفة من الغضب وقال : قراءة أبي موسى وقراءة عبد الله ابن أمّ عبد! والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين (عثمان) لآمرنّه بجعلها قراءة واحدة ، وغرق هذه المصاحف.
فالتقى ابن مسعود حذيفة وقال له : بلغني عنك كذا؟ قال : نعم كرهت أن يقال : قراءة فلان وقراءة فلان ، فيختلفون كما اختلف أهل الكتاب!
ثم قدم المدينة فقال لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فقد غزوت مرج أرمينية ، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة ابيّ بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق ، وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود ويأتون بما لم يسمع أهل الشام ، فيكفّر بعضهم بعضا (١).
__________________
(١) انظر التمهيد ١ : ٢٧٨ ـ ٢٧٨ ، وفي تلخيصه ١ : ١٥٩ ـ ١٦١.