وذكر الثقفي في تاريخه عن ثعلبة بن حكيم قال : كنت جالسا عند عثمان مع أناس من أصحاب محمد من أهل بدر وغيرهم ، إذ جاء أبو ذر يتوكّأ على عصاه ، فسلم ثم قال لعثمان : يا عثمان اتّق الله ، إنك تسمع كذا وكذا وتصنع كذا وكذا ، وذكر مساوئه وانصرف وعثمان ساكت ، فلما انصرف أبو ذر قال عثمان : من يعذرني من هذا الذي لا يدع مساءة إلّا ذكرها؟!
ثم أرسل خلف علي عليهالسلام فجاء فقال له : يا أبا الحسن! ما ترى أبا ذر لا يدع لي مساءة إلّا ذكرها؟ فقال علي عليهالسلام لعثمان : يا عثمان إني أنهاك بحق أبي ذر ـ ثلاث مرات ـ اتركه فهو كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون : (إِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فقال له عثمان : بفيك التراب! فقال علي عليهالسلام : بل بفيك التراب ، وانصرف (١).
وروى الكشي بسنده عن الصادق عليهالسلام : أن عثمان أرسل إلى أبي ذر مائتي دينار مع موليين له قال لهما : قولا له : إنّ عثمان يقرئك السلام ويقول لك : هذه مائتا دينار فاستعن بها على ما نابك ، وإنه يقول : هذا من صلب مالي ، وبالله الذي لا إله إلّا هو ما خالطها حرام ولا بعثت إليك بها إلّا من حلال!
فقال أبو ذر : فهل أعطى أحدا من المسلمين مثل ما أعطاني؟ قالا : لا ، فقال : فأنا رجل من المسلمين ، ولا حاجة لي فيها وأنا من أغنى الناس ، فإن تحت هذا الكساء للدّابة رغيفا شعير من أيام ، فما أصنع بهذه الدنانير؟ حتى يعلم الله أني لا أقدر على قليل ولا كثير ، فردّاها عليه وأعلماه أن لا حاجة لي فيها ولا فيما عنده حتى ألقى الله ربّي فيكون هو الحاكم بيني وبينه (٢).
__________________
(١) كما في بحار الأنوار ٣١ : ٢٨٨ عن القسم الثاني من تقريب المعارف للحلبي (م ٤٤٧ ه).
(٢) رجال الكشي : ٢٧ ، الحديث ٥٣.