أتتكم القطار تحمل النار! اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له ، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له!
فقال لي معاوية : من عذيري من جندب بن جنادة! يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت ، ثم قال : أدخلوه عليّ ، فجاءوا به يقودونه حتى أوقفوه بين يديه ، قال جلّام : وكنت أحبّ أن أرى أبا ذر فهو رجل من قومي ، فالتفتّ إليه فإذا هو ضرب (١) من الرجال أحنأ ، أسمر ، خفيف العارضين ، فقال له معاوية :
يا عدوّ الله وعدوّ رسوله! تأتينا كل يوم فتصنع ما تصنع! أما إني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد (!) من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلك! ولكنّي استأذن فيك! فأقبل أبو ذر على معاوية وقال :
ما أنا بعدوّ الله ولا رسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله! أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر! ولقد لعنك رسول الله ودعا عليك : أن لا تشبع ، سمعت رسول الله يقول : إذا ولى الامة الأعين الواسع البلعوم ، الذي يأكل ولا يشبع ، فلتأخذ الامة حذرها منه! فقال معاوية : ما أنا ذلك الرجل. قال أبو ذر :
بل أنت ذلك الرجل ، أخبرني بذلك رسول الله ؛ مررت به فسمعته يقول : اللهم العنه ولا تشبعه إلّا بالتراب ، وسمعته يقول : است معاوية في النار!
فضحك معاوية ولكنه أمر بحبسه ، وكتب فيه إلى عثمان (٢) :
«أما بعد ، فإن أبا ذر قد حرّق قلوب أهل الشام وبغّضك إليهم ، فما يستفتون غيره ، ولا يقضى بينهم إلّا هو (٣) وإنه يصبح إذا أصبح ويمسي إذا أمسى
__________________
(١) الضرب : الخفيف اللحم. والأحنإ : الأحدب.
(٢) شرح النهج (للمعتزلي) ٨ : ٢٥٧ عن رسالة السفيانية (للجاحظ).
(٣) عن الثقفي في تاريخه ، في القسم الثاني من تقريب المعارف كما في بحار الأنوار ٣١ : ٢٩٠. وقال : وذكره الواقدي وحذفناه اختصارا.