إن الذي كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما وجدتها في كتاب الله (١) ، ولا كانت عهدا من رسول الله ، ولكنّي كنت أرى أن رسول الله سيدبّر أمرنا (أي يكون آخرنا ، فلم يكن كذلك ومات) وأن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى الله به رسوله ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له (على غرار قولته السابقة : حسبنا كتاب الله) ثم قال : وإن الله قد جمع أمركم على خيركم! (خلافا لقول أبي بكر بالأمس) صاحب رسول الله و (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ)(٢) فقوموا فبايعوه.
فبايع الناس البيعة العامة ، ثم قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد أيها الناس ، فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم (خلافا لقول عمر) فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوّموني .. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم. الضعيف فيكم قوي عندي حتى اريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. الكذب خيانة والصدق أمانة.
وكأنّ كلامه هذا كان ختاما لتلك الجلسة قبيل الزوال فقال لهم : قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله (٣).
__________________
(١) هذا ، ولكنه ادّعاه بعد ذلك كما في الخبر اللاحق في السيرة ٤ : ٣١٢ ، عن ابن عباس عن عمر قال : هل تدري ما كان حملني على مقالتي حين توفي رسول الله؟ قلت : لا ، قال : فإنه والله كان الذي حملني على ذلك أني قرأت الآية : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) فو الله إن كنت لأظن أنّه سيبقى في امته ليشهد عليها بأعمالها. والآية ١٤٣ من سورة البقرة.
(٢) التوبة : ٤٠.
(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٣١١ بتصرّف يسير في الألفاظ ، ويلاحظ تكرير المعاني في الخطبتين بالأمس واليوم. وهنا روى ابن سعد قال : لما بويع أبو بكر أصبح وعلى