ولعلّ هذا كان بعد وفاة ابنه ذرّ ، الذي ليس فيما بأيدينا أيّ خبر عنه سوى ما أسنده ابن قتيبة (م ٢٧٦ ه) عن عمر بن جرير المهاجري قال : لما واراه التراب وقف على قبره وقال :
رحمك الله يا ذرّ ، ما علينا بعدك من خصاصة ، وما بنا إلى أحد مع الله حاجة ، وما يسّرني أني كنت المقدّم قبلك ، ولو لا هول المطّلع لتمنّيت أن أكون مكانك ، لقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، فيا ليت شعري ما ذا قلت وما قيل لك؟
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني قد وهبت حقي في ما بيني وبينه له ، فهب حقك فيما بينك وبينه له (١) أو قال : اللهم إنك قد فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا ، فإني قد وهبت له ما فرضت لي عليه من حقوقي ، فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم منّي (٢) أو فإنك أحقّ بالجود مني. وزاد في صدره عنه : مسح القبر بيده وقال : والله إن كنت بي بارّا ، ولقد قبضت وإني عنك لراض (٣).
وقال القمي بعدها : وكانت لأبي ذر غنيمات يعيش هو وعياله منها ، فأصابها داء يقال له النقّاب فماتت كلّها ... وماتت أهله.
ثم نقل عن ابنته (ذرّة) قالت : بقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا وأصابنا الجوع ، فقال لي أبي : يا بنيّة قومي بنا إلى الرمل نطلب القتّ ـ وهو نبت له حبّ (٤) ـ فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا.
__________________
(١) عيون الأخبار ٢ : ٣١٣.
(٢) تفسير القمي ١ : ٢٩٥ مرفوعا.
(٣) فروع الكافي ٣ : ١٢٥ عن القمي مرفوعا عن غير تفسيره مختلفا عمّا فيه كما ترى.
(٤) عن الأزهري : القت : حبّ برّيّ خشن ، فإن فقد أهل البادية ما يقتاتون به دقّوه وطبخوه واكتفوا به على ما فيه من الخشونة. مجمع البحرين ٢ : ٢١٤.