ثم كتب هؤلاء هذه المخالفات لعثمان في كتاب إليه ، وتعاهدوا ليدفعنّ الكتاب إليه ، ودفعوا الكتاب إلى عمّار بن ياسر ، فلما خرجوا ليدفعوه إليه وكان يوما شاتيا أخذوا يتسلّلون عنه حتى تركوه وحده!
وبلغ عمار دار عثمان فوقف واستأذن فأذن له ، فدخل عليه وعنده مروان وأهله من بني أميّة ، فدفع الكتاب إليه.
فقرأه ، فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال : نعم ، قال : ومن كان معك؟ قال : كان معي نفر تفرّقوا فرقا منك! قال : من هم؟ قال : لا اخبرك بهم! قال : فلم اجترأت عليّ من بينهم؟
فقال مروان : يا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى عمار ـ : إن هذا العبد الأسود! قد جرّأ عليك الناس ، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه (١).
فقال عثمان لعمّار : أعليّ تقدم من بينهم؟ قال : لأني أنصحهم لك! قال : كذبت يا ابن سمية! قال : أنا والله ابن ياسر وأنا ابن سمية! فأمر عثمان الغلمان أن يمدّوه ، فمدّوه ، وهو شيخ كبير ، وقام إليه عثمان يضربه بخفيه في رجليه على مذاكيره ، فأصابه الفتق وغشي عليه (٢).
ثم جرّوه حتى طرحوه على باب الدار ، فأمرت أمّ سلمة زوج النبي من حمله إلى منزلها ، وكان عمار حليف بني مخزوم فغضبوا له. فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن المغيرة فقال : أما والله لئن مات عمار من ضربه
__________________
(١) الإمامة والسياسة : ٣٢ ـ ٣٣ ، وانظر الجمل : ١٨٥ ومصادره في الهامش ، وفي الطبري ٤ : ٣٦٩ عن ابن إسحاق عن ابن الزبير : أن أهل المدينة كتبوا إلى عثمان يحتجّون عليه ويقسمون أنهم لا يمسكون عنه حتى يعطيهم ما يلزمه من الحق أو يقتلوه.
(٢) الشافي وتلخيصه ٤ : ١١٢.