أما بعد ، فإن الله تعالى اختار الإسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله ، إحكاما لصنعه وحسن تدبيره ، ونظرا منه لعباده ، وخصّ به من أحبّه من خلقه ، فبعث إليهم محمدا فعلّمهم الكتاب والحكمة ، إكراما وتفضيلا لهذه الأمة ، وأدّبهم لكي يهتدوا وجمعهم لئلّا يتفرّقوا ووقّفهم لئلّا يجوروا ، فلما قضى ما كان عليه من ذلك مضى إلى رحمة الله به حميدا محمودا.
ثم إن بعض المسلمين أقاموا بعده رجلين رضوا بهديهما وسيرتهما ، فأقاما ما شاء الله ثم توفّاهما الله عزوجل ، ثم ولّوا بعدهما الثالث فأحدث أحداثا ووجدت الأمة عليه فعالا ، فاتّفقوا عليه ثم نقموا منه فغيّروا ، ثم جاءوني كتتابع الخيل فبايعوني ، وإني أستهدي الله بهداه واستعينه على تقواه ، ألا وإنّ لكم علينا العمل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله والقيام عليكم بحقّه واحياء سنّته ، والنصح لكم بالمغيب والمشهد ، وبالله نستعين على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وقد ولّيت أموركم حذيفة بن اليمان ، وهو ممّن أرضى بهداه وأرجو صلاحه ، وقد أمرته بالإحسان إلى محسنكم والشدّة على مريبكم والرفق بجميعكم ، أسأل الله لنا ولكم حسن الخيرة والإسلام ، ورحمته الواسعة في الدنيا والآخرة ورحمة الله وبركاته».
فلما وصل عهده عليهالسلام إلى حذيفة جمع الناس فصلّى بهم ، ثم أمر أن يقرأ هذا الكتاب عليهم فقرئ ، ثم صعد هو المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ ثم قال : الحمد لله الذي أحيا الحق وأمات الباطل! وجاء بالعدل ودحض الجور وكبت الظالمين! أيها الناس ، إنه ولّاكم الله أمير المؤمنين حقا حقا ، وخير من نعلمه بعد نبيّنا ، وأولى الناس بالناس ، وأحقّهم بالأمر ، وأقربهم إلى الصدق ، وأرشدهم إلى العدل ، وأهداهم سبيلا ، وأدناهم إلى الله وسيلة ، وأمسّهم برسول الله رحما ، فأنيبوا إلى طاعة أول الناس سلما ، وأكثرهم علما ، وأقصدهم طريقة ،