إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أمير المؤمنين ، وأيّ قتلة قتل! نحر كما ينحر البعير الكبير ... وإني معلمك من مخبره غير مقصّر ولا مطيل : إن القوم استطالوا مدّته ، واستقلّوا ناصره ، واستضعفوه في بدنه ، وأمّلوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم ... ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله ، فوعدهم التوبة مما كرهوا والرجعة إلى ما أحبّوا فلم يقبلوا ذلك ، ووثبوا عليه فسفكوا دمه وانتهكوا حرمته ونهبوا داره ، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها ؛ منكفئين قبل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذ أبصر المرعى. فأخلق ببني أمية أن يكونوا من هذا الأمر (الخلافة) بمجرى العيّوق إن لم يثأره ثائر! فإن شئت أن تكونه أبا عبد الرحمن فكنه ، والسلام.
فلما قرأه أمر أن يؤذّن في الناس بالصلاة جامعة ثم خطبهم فقلقل القلوب وأبكى العيون ورفع الضجيج حتى علت الرنّة!
ثم كتب جواب مروان : أما بعد ، فقد وصل إليّ كتابك بشرح خبر أمير المؤمنين وما ركبوه منه ونالوه به ... فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلّا غيلة ، ولا ينظر شزرا إلّا عن حيلة ، وكالثعلب لا يفلت إلّا روغانا ، وأخف نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكفّ ، وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره ، وابحث عن امورهم بحث الدجاجة عن حبّ الدّخن عند فقاسها (تجسّس) وانغل الحجاز فإنّي منغل الشام ، والسلام.
فكتب مروان جوابه : أما بعد ، فقد وصل كتابك ، فنعم كتاب زعيم عشيرة وحامي الذّمار ... كذبت نفس الظانّ بنا ترك المظلمة وحبّ الهجوع إلّا تهويمة الراكب العجل ، حتى تجذّ جماجم وجماجم! جذّ العراجين المهدّلة حين ايناعها! وأنا ـ على صحة نيّتي وقوّة عزيمتي ، وتحريك الرحم لي وغليان الدّم منّي ـ غير سابقك بقول ولا متقدمك بفعل ، وأنت ابن حرب طلّاب الترات وآبي الضّيم!