قالا : ما نكلّفك ذلك ، ولو كلّفناك ذلك لما أجابك المسلمون! قال : فما أصنع؟
قالا : قد سمعنا ما عندك ، ثم انصرفا من عنده ونزلا من الغرفة إلى أرض الدار وخرجا. وتركاه يومين آخرين ، ثم صارا إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وقت خلوته (١) ، فلما دخلا عليه قالا : يا أمير المؤمنين ، جئناك نستأذنك للعمرة ، فلم يأذن لهما ، فقالا : نحن بعيدو العهد بها فأذن لنا فيها! فقال لهما : ما تريدان العمرة ولكنكما تريدان الغدرة أو البصرة! فقالا : اللهم غفرا ، ما نريد إلّا العمرة! فقال عليهالسلام : احلفا لي بالله العظيم أنكما لا تفسدان عليّ امور المسلمين ولا تنكثان لي بيعة ولا تسعيان في فتنة!
قال : فبذلا ألسنتهما بالأيمان المؤكّدة على ما استحلفهما عليه من ذلك.
فلما خرجا من عنده لقيهما ابن عباس وعلم أمرهما ، ودخل على أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : قد رأيت طلحة والزبير! قال : إنهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فسادا! وإني أعلم أنهما ما قصدا إلّا الفتنة ، فكأنّي بهما وقد صارا إلى مكة ليستعينا على حربي! فإنّ يعلى بن منية (وهي أمه) الخائن الفاجر قد حمل أموال (اليمن ، وابن عامر قد حمل أموال العراق وفارس) لينفقوا ذلك. وسيفسد هذان الرجلان عليّ أمرى ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري!
فقال ابن عباس : إذا كان عندك الأمر كذلك فلم أذنت لهما؟ وهلّا حبستهما وأوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرّهما؟!
فقال عليهالسلام : يا ابن عباس ، والله لا عدلت عمّا أخذ الله عليّ من الحكم بالعدل والقول بالفصل ، أتأمرني أن أبدأ بالظلم ، وبالسيئة قبل الحسنة ، وأعاقب على الظنّة والتهمة ، واؤاخذ بالفعل قبل كونه؟! كلّا والله! يا ابن عباس إني أذنت لهما وأنا أعرف
__________________
(١) وليس ليلا ، فلا شمعة!