هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلّا جاهل عاند عن الحق منكر ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١).
ثم قال : ألا إنه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا ، وشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله ، أجرينا عليه أحكام القرآن وأقسام الإسلام ، ليس لأحد على أحد فضل إلّا بتقوى الله ، جعلنا الله وإياكم من المتقين وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ثم صاح بأعلى صوته : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإن الله لا يحبّ الكافرين! ثم قال : يا معشر المهاجرين ، يا معشر الأنصار ، يا معشر المسلمين ، أتمنّون على الله ورسوله بإسلامكم؟ (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢).
ثم قال : ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ، ليست بداركم ، ولا منزلكم الذي خلقتم له ، ولا الذي دعيتم إليه ، ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها ، فلا يغرنّكم عاجلها فقد حذّرتموها ، ووصفت لكم وجرّبتموها ، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا ـ رحمكم الله ـ إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها ، فهي العامرة التي لا تخرب أبدا ، والباقية التي لا تنفد ، رغّبكم الله فيها ودعاكم إليها ، وجعل لكم الثواب فيها.
فيا معاشر المهاجرين والأنصار وأهل دين الله ، انظروا ما وصفتم به في كتاب الله ، ونزّلتم به عند رسول الله وجاهدتم عليه فما فضّلتم به بالحسب والنسب؟ أم بعمل وطاعة؟ فاستتمّوا ـ رحمكم الله ـ نعمه عليكم بالصبر لأنفسكم ، والمحافظة
__________________
(١) الحجرات : ١٣.
(٢) الحجرات : ١٧.