ومحلّيه (١) عند قومه ليعرفوه بصفته ، وليتبعوه على شريعته ، ولئلّا يضلوا فيه من بعده ، فيكون من هلك أو ضلّ بعد وقوع الإعذار والإنذار عن بينته وتعيين حجته ، فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من الأنبياء ، ولئن اصيبت بفقد نبيّ بعد نبيّ على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل.
و(لكن) لا مصيبة عظمت ولا رزيّة جلّت كالمصيبة برسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ لأن الله ختم به الإنذار والإعذار ، وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه ، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ، ومهيمنه الذي لا يقبل إلّا به ، ولا قربة إلّا إليه بطاعته. وقال في محكم كتابه : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(٢). فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلا على ما فوّض إليه وشاهدا له على من اتّبعه وعصاه ، وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه ، والقبول لدعوته : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)(٣) فاتّباعه محبّة الله ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة ، وفي التولّي عنه والإعراض محادّة الله وغضبه وسخطه ، والبعد منه مسكّن النار ؛ وذلك قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ)(٤) يعني الجحود به والعصيان له.
وإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده ، وقتل بيدي أضداده ، وأفنى بسيفي جحّاده وجعلني زلفة للمؤمنين ، وحياض موت على الكافرين ، وسيفه
__________________
(١) أي ذاكرا حليته ووصفه.
(٢) النساء : ٨٠.
(٣) آل عمران : ٣١.
(٤) هود : ١٧.