إلى أن قال عليهالسلام : حتى إذا دعا الله عزوجل نبيّه ورفعه إليه ، لم يك بعده إلّا كلمحة من خفقة ، أو وميض من برقة ، إلّا أن رجعوا على الأعقاب وانتكسوا على الأدبار ، وطلبوا بالأوتار ، وأظهروا الاكتئاب وردموا الباب ، وفلّوا الديار وغيّروا آثار رسول الله صلىاللهعليهوآله ورغبوا عن أحكامه وبعدوا عن أنواره ، واستبدلوا بمستخلفه بديلا (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ)(١) وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله ممن اختار رسول الله لمقامه ، وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجر الناصر الربّاني ناموس هاشم بن عبد مناف. ألا وإن أول شهادة زور رفعت في الإسلام شهادتهم أنّ صاحبهم مستخلف رسول الله [في الصلاة] فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مضى ولم يستخلف! فكان رسول الله الطيّب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام ، وعن قليل يجدون غبّ ما أسسه الأوّلون.
ولئن كانوا في مندوحة من المهل وشفاء من الأجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور ، وسكون من الحال ، وإدارك من الآمال ؛ فقد أمهل الله شدّاد بن عاد ، وثمود بن عبود ، وبلعم بن باعور ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، وأمدّهم بالأموال والأعمار ، وأتتهم الأرض بركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الإهابة له والانابة إليه ، ولينتهوا عن الاستكبار ، فلما بلغوا المدة واستتمّوا الأكلة ، أخذهم الله عزوجل واصطلمهم ، فمنهم من حصب ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من أحرقته الظلّة ، ومنهم من أودته الرجفة ، ومنهم من أردته الخسفة (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٢). ألا وإنّ لكل أجل كتابا
__________________
(١) الأعراف : ١٤٨.
(٢) العنكبوت : ٤٠.