وكان محمد بن طلحة (المعروف بالعبادة) قريبا منها فسألته : أيّ ماء هذا؟ فقال : هذا ماء الحوأب. فقالت : ما أراني إلّا راجعة! قال : ولم؟ قالت : سمعت رسول الله يقول لنسائه : كأني بإحداكنّ تنبحها كلاب الحوأب ، ثم قال لي : وإياك أن تكوني أنت يا حميراء ، فقال لها محمد بن طلحة : تقدّمي رحمك الله ودعي هذا القول (١)!
فقالت ردّوني إلى حرم رسول الله ، لا حاجة لي في المسير! وكان طلحة في ساقة القوم فلحقها وأقسم لها أن ذلك ليس بالحوأب! وقال الزبير : بالله ما هذا بالحوأب ولقد غلط فيما أخبرك به (٢).
وأتاها عبد الله بن الزبير ببيّنة زور من الأعراب فشهدوا بالله لقد خلّفتيه أوّل الليل (٣) فأتوها بأربعين رجلا (٤) أو خمسين ممن كان معهم (٥) وقال لها : لا ترجعي عسى الله أن يصلح بك (٦).
ونقل المعتزلي عن «كتاب الجمل» لأبي مخنف قال : لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب ، وهو ماء لبني عامر بن صعصعة (الكلابي) ونبحتهم الكلاب حتى نفرت الإبل الصعاب ، فقال بعض الأصحاب : ألا ترون ما أكثر وأشد نباح هذه الكلاب في الحوأب! فسمعته عائشة فأمسكت بزمام بعيرها
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٣.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٥٨.
(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٦٣.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨١.
(٥) مروج الذهب ٢ : ٣٥٨.
(٦) أنساب الأشرف ٢ : ٢٢٤ وانظر التحقيق بهامشه ، وكفاية الطالب : ١٧١ عن مسند ابن خزيمة وبهامشه مصادر كثيرة.