وإنّ مسيري هذا لمثلها ، فلأبقرنّ الباطل حتى يخرج الحق من جنبه.
مالي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنّهم مفتونين ، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم! والله ما تنقم منا قريش إلّا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيّزنا ، فكانوا كما قال الأول :
أدمت لعمري شربك المحض صابحا |
|
وأكلك بالزّبد المقشّرة البجرا (١) |
ونحن وهبناك العلاء ولم تكن |
|
عليّا ، وحطنا حولك الجرد والسمرا (٢) |
وروى الطوسي عن المفيد عن الثقفي الكوفي بسنده عن طارق بن شهاب الأحمسي قال : سمعت بنزول علي عليهالسلام بالربذة ، فسألت عن قدومه إليها فقيل لي : لقد خالف عليه طلحة والزبير وعائشة وصاروا إلى البصرة فخرج يريدهم (٣).
فقلت في نفسي : إنها الحرب! أفأقاتل أم المؤمنين وحواريّ رسول الله؟! إن هذا لعظيم! أم أدع عليا وهو أول المؤمنين بالله وابن عمّ رسول الله ووصيّه؟! هذا أعظم؟
ثم أتيته فسلّمت عليه وجلست إليه (وسألته عن أمره وأمرهم) فقصّ عليّ قصّته وقصة القوم. ثم زال الزوال فصلّى بنا الظهر ، فلما انفتل (٤) وفرغ من صلاته ، جاءه ابنه الحسن فجلس بين يديه ثم بكى ، فقال له أمير المؤمنين : تكلّم يا بنيّ ولا تبك ولا تحنّ حنين الجارية!
__________________
(١) المحض : اللبن الخالص ، والبجر : التمر المقشّر أي المستخرج النوى منه.
(٢) الجرد : السيوف المجرّدة ، والسمر : الرماح السمراء الصّلبة. ونص الخطبة في نهج البلاغة ، الخطبة ٣٣ ، غير أن الرضيّ ذكر الخبر بذي قار لا الربذة.
(٣) أمالي الطوسي : ٥٢ ، الحديث ٦٨.
(٤) شرح النهج للمعتزلي ١ : ٢٢٦.