فناداه ابن الزبير : ما أنت وذاك؟! فهمّ قوم أن يثبوا عليه فمنعه قومه.
وقام عظيم آخر من عبد القيس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس ؛ إنه قد كان أوّل هذا الأمر وقوامه المهاجرين والأنصار بالمدينة ، ولم يكن لأحد من أهل الأمصار أن ينقضوا ما أبرموا ولا يبرموا ما نقضوا ، فكانوا إذا رأوا رأيا كتبوا به إلى الأمصار فسمعوا لهم وأطاعوا.
وإنّ عائشة وطلحة والزبير كانوا أشدّ الناس على عثمان حتى قتل وبايع الناس عليا وبايعه في جملتهم طلحة والزبير ، وجاءنا نبأهما ببيعتهما له فبايعناه ، فلا ـ والله ـ ما نخلع خليفتنا ولا ننقض بيعتنا!
فصاح عليه طلحة والزبير ، فأخذوه ، فأمرا بنتف لحيته كابن حنيف فنتفوها (١)!
وكأنّ عبد القيس لم تستطع هنا أن تمنع عنه إلّا بالقتال وقد أكل منهم ، فقرّروا أن يخرجوا من المسجد ثم يخرجوا من البصرة إلى طريق الإمام عليهالسلام إليها ليلتحقوا به فينتقموا من هؤلاء الأشقياء.
وكأنّه لما خرج هؤلاء من البلد أراد طلحة أن يخطب ودّ من بقي من أهل البصرة فخطبهم فقال فيما قال : يا معشر المسلمين ؛ إن الله قد جاءكم بامّ المؤمنين ، وقد عرفتم بحقها ومكانها من النبيّ ومكان أبيها في الإسلام ، وها هي تشهد لنا أنا لم نكذبكم فيما أخبرناكم به ، ولا غرّرناكم فيما دعوناكم إليه من قتال علي بن أبي طالب وأصحابه ، الصادّين عن الحق!
ولسنا نطلب ملكا ولا خلافة! وإنما نحذّركم أن تغلبوا على أمركم وتقصّروا دون الحق! وقد رجونا أن يكون عندكم عون لنا على طاعة الله وإصلاح الامة! فإنّ أحقّ من عناه أمر المسلمين ومصلحتهم أنتم يا أهل البصرة لتمكّنكم في الدين!
__________________
(١) الجمل للمفيد : ٣٠٧.