ثم قال : أما بعد ، فإن الموت طالب حثيث ، لا يفوته الهارب ولا يعجزه!
فأقدموا ولا تنكلوا ، وهذه الأصوات التي تسمعونها من عدوّكم فشل واختلاف ، إنا كنا نؤمر في الحروب بالصّمت ، فعضّوا على النواجذ ، واصبروا لوقع السيوف. والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على الفراش! فقاتلوهم صابرين محتسبين ، فإن الكتاب معكم والسنّة معكم ، ومن كانا معه فهو القوي. أصدقوهم بالضرب ، فأيّ امرئ أحسّ من نفسه شجاعة وإقداما وصبرا عند اللقاء فلا يبطر به ، ولا يرى أنّ له فضلا على من هو دونه! وإن رأى من أخيه فشلا أو ضعفا فليذبّ عنه كما يذبّ عن نفسه ، فإن الله لو شاء لجعله مثله (١).
ولا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم ، فإنكم ـ بحمد الله ـ على حجة ، وكفّكم عنهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى ، وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تمثلوا بقتيل ، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا. وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تكشفوا عورة ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا من أموالهم شيئا.
ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول ، ولقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهن وإنهنّ لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعيّر بها هو وعقبه من بعده (٢) ولا تقربوا شيئا من أموالهم إلّا ما تجدونه في عسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة ، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله (٣).
__________________
(١) الجمل للمفيد : ٣٥٨ ونهج البلاغة ، الخطبة : ١٢٣.
(٢) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٢٨ مرسلا ، وليلاحظ نقائص النساء ليس فيها دين ولا حظ ما يأتي في : ٦١٠.
(٣) مروج الذهب ٢ : ٣٦٢.