ولما قسم ما حواه العسكر أمر بفرس كادت أن تباع ، فقام إليه رجل من أهل البصرة وقال : يا أمير المؤمنين ، هذه الفرس كانت لي وإنما استعارها مني فلان ولم أدر أنه يخرج عليها للقتال. فسأله البيّنة على ذلك ، فأقام البيّنة أنها عارية ، فردّها.
وقال عليهالسلام : مروا نساء هؤلاء المقتولين من أهل البصرة أن يعتدن منهم ، ولنقسم أموالهم في أهلهم ، فهي ميراث لهم على ما فرض الله لهم من فريضة.
فقال له عمار : يا أمير المؤمنين ، ما ترى في سبي الذرية؟
فقال : ما أرى عليهم من سبيل ، إنما قاتلنا من قاتلنا.
فقال له بعض القرّاء من أصحابه : فما الذي أحلّ دماءهم ولم يحلّ أموالهم؟!
فقال : هذه الذرية لا سبيل عليها وهم في دار هجرة ، وإنما قاتلنا من حاربنا وبغى علينا ، وأما أموالهم فهي ميراث لمستحقّيها من أرحامهم.
وكان إذا أتى بأسير منهم فإن كان قتل (أحدا) قتله ، وإن لم تقم عليه بيّنة بالقتل أطلقه (١).
واتفق رواة التاريخ كلهم على أنه عليهالسلام قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض ، فقسّمه بين أصحابه ، فقالوا له : اجعل أهل البصرة رقيقا واقسمهم بيننا! قال : لا ، قالوا : تحلّ لنا دماءهم وتحرّم علينا سبيهم؟! قال : أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو مغنم لكم ، وأما ما وارت الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله ، ولا نصيب لكم في شيء منه.
فلما أكثروا عليه قال : فأقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة! فقالوا : نستغفر الله يا أمير المؤمنين! وانصرفوا عنه (٢) ورضوا بما قال واعترفوا بصوابه وسلّموا لأمره (٣).
__________________
(١) الجمل للمفيد : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ١ : ٢٥٠.
(٣) شرح الأخبار للقاضي النعمان المصري ١ : ٣٩٥ ، الحديث ٣٣٤.