قالت : أبيت ذلك!
فقلت لها : لقد كان إباؤك ذلك لقصير المدة! عظيم السبقة! ظاهر الشؤم! بيّن النكد! وما كان إلّا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين ولا تنهين! ولا ترفعين ولا تضعين! وما كان مثلك إلّا كمثل الحضريّ بن (عامر بن) نجمان الأسدي حيث يقول :
ما زال إهداء القصائد بيننا |
|
شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تركت كأنّ صوتك بينهم |
|
ـ في كل مجمعة ـ طنين ذباب |
قال : فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ، فأراقت دمعتها وأبدت عويلها وبدا نشيجها ، ثم قالت : أرحل ـ والله ـ عنكم ، فما في الأرض بلد أبغض إليّ من بلد أنتم فيه! (ولعلّها علمت برحيل الإمام إلى الكوفة).
قلت : ولم ذلك؟ فو الله ما ذلك ببلائنا عندك ، ولا بصنيعنا إليك إذ جعلناك امّا للمؤمنين وأنت بنت أم رومان!
فقالت : يا ابن عباس! تمنّون عليّ برسول الله؟!
فقلت : ولم لا نمنّ عليك بمن لو كان منك قلامة منه ، أو لو كان فيك منه شعرة ، لمننت بها وفخرت ، ونحن منه وإليه لحمه ودمه ، وما أنت إلّا حشيّة (فراش محشو) من تسع حشيّات خلّفهن بعده ، لست بأبيضهن لونا! ولا بأحسنهن وجها! ولا بأرشحهنّ عرقا! ولا بأرسخهن عرقا! ولا بأنضرهنّ روقا! ولا بأطراهن أصلا! ولا بأمدّهنّ ظلا! فصرت تأمرين فتطاعين! وتدعين فتجابين! وما مثلك إلّا كما قال أخو بني فهر :
مننت على قومي فأبدوا عداوة |
|
فقلت لهم : كفّوا العداوة ، والشكرا! |
ففيه رضا من مثلكم لصديقه |
|
وأحرى بكم أن تجمعوا البغي والكفرا |