ثم التفتت إلى أهل المسجد فقالت للمهاجرين والأنصار :
وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وامناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الامم ؛ زعيم الله فيكم ، وعهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله بيّنة بصائره وآيه ، منكشفة سرائره وبرهانه ، متجلية ظواهره ، مديم للبريّة استماعه ، قائد إلى الرضوان اتّباعه ، مؤدّ إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنيرة ومواعظه المكرّرة ، وعزائمه المفسّرة ؛ ومحارمه المحذّرة ، وأحكامه الكافية ، وبيّناته الجالية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، ورحمته المرجوّة ، وشرائعه المكتوبة.
ففرض الله عليكم الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم من الكبر ، والزكاة تزييدا في الرزق ، والصيام إثباتا للإخلاص والحج تشييدا للدين ، والعدل تسكينا للقلوب وتمكينا للدين ، وطاعتنا نظاما للملة ، وإمامتنا لمّا للفرقة ، والجهاد عزا للإسلام ، والصبر معونة على الاستجابة ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، والنهي عن المنكر تنزيها للدين ، والبر بالوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منماة للعدد وزيادة في العمر ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالعهود تعرضا للمغفرة ، ووفاء المكيال والميزان تغييرا للبخس والتطفيف واجتناب قذف المحصنة حجابا عن اللعنة ، والتناهي عن شرب الخمور تنزيها عن الرجس ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، وأكل مال اليتيم والاستيثار به إجارة من الظلم ، والنهي عن الزنا تحصنا عن المقت ، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية ، وترك الجور في الحكم إثباتا للوعيد ، والنهي عن الشرك إخلاصا له تعالى بالربوبية.
فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلّا وانتم مسلمون ، ولا تتولوا مدبرين وأطيعوه فيما أمركم ونهاكم فإنما يخشى الله من عباده العلماء ، فأحمدوا الله الذي بنوره وعظمته ابتغى من في السموات ومن في الأرض إليه الوسيلة ، فنحن وسيلته في خلقه ، ونحن آل رسوله ، ونحن حجة غيبه ، وورثة أنبيائه.