ونرى تفصيل هذا المجمل لدى الواقدي قال :
اجتمع أبو عبيدة بن الجرّاح ، وسعد بن أبي وقّاص ، وسعيد بن زيد وعثمان إلى عمر فدخلوا إلى أبي بكر وقالوا له : إنّا لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء ، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه (يستقرّ) وتعود المرتدّة إلى ما خرجوا منه ، أو يفنيهم السيف! ثم تبعث اسامة حينئذ ، فنحن (لا) نأمن أن تزحف الروم إلينا! (أما الآن) فاجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم!
فلما استوعبوا كلامهم قال لهم أبو بكر : فهل منكم أحد يريد أن يقول شيئا؟
قالوا : لا. فقال : إن رسول الله كان ينزل له الوحي من السماء وكان يقول : أنفذوا جيش أسامة! فو الذي نفسي بيده لا بدأت بأوّل منه!
ولكن لا غنى بنا عن عمر فاكلّم أسامة فيه يخلّفه يقيم عندنا.
ثم مشى أبو بكر إلى دار أسامة وكلّمه أن يترك عمر ، ففعل أسامة.
وخرج وأمر مناديه ينادي : عزمة مني أن لا يتخلّف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله ، فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلّا ألحقته به ماشيا! فلم يتخلّف عن البعث أحد ، وهم ألف فارس وألفا راجل راحل.
ويوم ارتحالهم من الجرف خرج أبو بكر يشيّعهم أو يشايعهم ، فسار ساعة إلى جنب أسامة ثم قال له : إني سمعت رسول الله يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله ، فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله (١).
__________________
(١) مغازي الواقدي ٣ : ١١٢١ ـ ١١٢٢. وإنما هذا التنفيذ يكون بناء على هذه الأخبار بعد انتشار أخبار ارتداد الأعراب ، لا بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ولا بعد بيعة الخليفة مباشرة كما مرّ.