__________________
مقتضي الضدين فهو في الحقيقة ليس منه ، لأن هناك قصورا لا محالة في أحد المقتضيين أو كليهما ، فإذا فرضنا أنّ هبوب الرياح يقتضي حركة الجسم إلى المشرق وإشعاع الشمس يقتضي حركته نحو المغرب ، فذات المقتضيين وإن وجدا إلاّ أنّه لا يخلو أحدهما عن قصور في اقتضائه ، فإن الذي له اقتضاء التأثير في مثل هذه الموارد هو الأقوى منهما ، فالأضعف قاصر الاقتضاء ، وإذا تساويا قوة وضعفا فكلاهما قاصران عن الاقتضاء ، والمقتضي إنما هو البالغ منهما درجة من القوة بحيث يغلب على الآخر. وبعبارة أخرى : عدم تحقّق الحركة نحو المشرق ـ في المثال ـ ليس مستندا إلى وجود الشعاع ، إذ قد يكون موجودا ومع ذلك تتحقق تلك الحركة ، كما إذا كانت الرياح المحرّكة لها أقوى من الشعاع ، بل عدم تحققها مستند إلى ضعف الرياح بالنسبة إلى الشعاع أو مساواتها له في المرتبة ، والجامع وجود القصور فيها ، وإلاّ فلو لا القصور لكانت متّصفة بصفة الاقتضاء ، ولا أقلّ من القول بأنّ لقصور الرياح دخلا في عدم تحقق مقتضاها وإن كان لوجود الشعاع أيضا دخل فيه إلاّ أن استناد العدم إلى قصور المقتضي في نفسه أسبق من استناده إلى أمر خارجي ـ كما مر ـ ، بل إذا فرض أن النار القويّة لا تمنعها الرطوبة من التأثير وإنّما تمنع الضعيفة ، فإذا وجدت الضعيفة ولم تؤثّر لمكان وجود الرطوبة فعدم تأثيرها يستند إلى ضعفها قبل أن يستند إلى وجود الرطوبة.
وبالجملة : القول بمانعية الضد الآخر فيما إذا كان أقوى من مقتضي الأوّل أو مساويا له دون ما إذا كان أضعف ليس بأولى من القول بعدم اتصاف مقتضي الأوّل بالاقتضاء فيما إذا كان أضعف من مقتضي الآخر أو