عن انتفاء حليّة الأكل حقيقة (١) فيرجع التقييد بعدمه إلى قيديّة المأكوليّة ، لأنّ نفي عدم الشيء عبارة أخرى عن إثبات وجوده.
وأنت خبير بما فيه من الغرابة :
أمّا أوّلا فلأن (٢) ( ما يؤكل ) و ( ما لا يؤكل ) عنوانان للمحلّلات الشرعيّة ومحرّماتها ، وينتزع أحدهما عن حليّة الشيء ، والآخر عن حرمته ، والنفي المصدّر به (٣) عنوان ( ما لا يؤكل ) تعبير عمّا يقتضيه
__________________
(١) فإنّ عدم المأكولية ، معناه ـ في الحقيقة ـ عدم حلّية الأكل ، فإذا قيّد متعلق التكليف بعدم هذا العنوان العدمي انقلب وجوديا وهو المأكولية أو محلّلية الأكل ، لأن عدم العدم يساوق الوجود ، إذن فثبت شرطية المأكوليّة.
(٢) ردّ على ما زعمه القائل من أن عنوان ( ما لا يؤكل ) عنوان عدميّ لا يصلح للمانعية ، ومحصّل الردّ أن العنوان المذكور ليس منتزعا من عدم حليّة الأكل بل من حرمته ، فمرجعه ـ لدى التحليل ـ إلى عنوان ( محرّم الأكل ) ومنتزع من تحريم الشارع أكل الشيء في قبال ( ما يؤكل ) الراجع ـ في الحقيقة ـ إلى عنوان ( محلّل الأكل ) لانتزاعه من تحليل الشارع إيّاه ، فهو وإن كان في نفسه عنوانا عدميا إلاّ أنه بمنشإ انتزاعه عنوان وجودي ، بل من أظهر مصاديقه ، والأمر المنتزع لا حقيقة له إلاّ بمنشإ انتزاعه.
(٣) يعني أنّ تصدير العنوان المذكور بأداة النفي ليس لأجل كونه عبارة أخرى عن انتفاء الحليّة ، بل هو من مصاديق تصدير الجملة الخبرية ـ المستعملة في مقام إنشاء النهي التحريمي ـ بها ، وقد ذكر في محلّه أنّ المناسبة المصحّحة لهذا الاستعمال هو اقتضاء تحريم الشيء انتفاءه خارجا ، وأنّه لحرمته ومنع الشارع عنه كأنه منفيّ الوجود رأسا.