طرقهم في التراجيح حتّى أنّ من المعلوم عندهم ذلك.
ويؤيّده ما يظهر من العامّة العمياء تقديمهم الرواية التي رواها أهل المدينة على غيرها معلّلين بكونها أرجح حيث إنّهم على زعمهم مهابط وحي الله ، ومنازل روح القدس ، وذلك مثل ما يستكشف الإجماع على اعتبار التعدّد في الشهادة ممّا تداول الاستدلال به عندهم (١) كما في مقام التقويم وغيره (٢) بقولهم : لأنّه شهادة ، فالمهمّ عندهم بيان الصغرى ، فالكبرى مسلّمة لديهم وقد نقله بعض أساطين العلماء.
ومنها : دليل الانسداد ، وبيانه أنّه لا مناص من الترجيح في الأخبار المتعارضة لكثرتها بوجه يوجب المخالفة القطعية كثيرا لو قلنا بالطرح فيهما كما فيما لو قلنا بالتخيير بينهما ، والمرجّحات المعلومة من الأمور الراجعة إلى الدلالة في المتعارضين كالنصوص والظهور والظاهر والأظهر ممّا لا تفي بجميع أبواب الفقه بوجه ، يرتفع معها العلم الإجمالي ، فلا بدّ من الترجيح بمطلق الظنّ.
لا يقال : إنّ الأعدلية وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ونحوها من المرجّحات المنصوصة ممّا يكفي في مقام الترجيح مع كونها قدرا متيقّنا بالنسبة إلى غيرها من المرجّحات.
لأنّا نقول : لو سلّم الكفاية بها ، فلا ريب في استوائها لسائر الظنون ؛ لأنّ غاية ما دلّ على جواز الترجيح بها هو الخبران المأثوران ، والناظر فيهما بعد إمعان النظر في مواردهما من الاختلاف الواقع في الترتيب بينهما ـ والأمر تارة بالأخذ بما هو أوثق منهما (٣) ـ يحكم حكما جزميا بأنّ المدار على مطلق الظنّ.
مضافا إلى المنقول من الإجماع والمحقّق من الشهرة ، فلا وجه للقول بكون المرجّحات المزبورة قدرا متيقّنا بالنسبة إلى غيرها.
__________________
(١) المثبت من « ل » وهامش « ش » وفيها : عنهم.
(٢) « ل » : غيرهم.
(٣) « ل » : فيهما.