فظهر أنّ المناط في الجواز وعدمه لزوم طرح الخطاب تفصيلا لا كون طرفي العلم الإجمالي من الأمور المتجانسة كما تخيّله صاحب الحدائق (١) ، وبنى عليه في الردّ على صاحب المدارك (٢) حيث استدلّ الأخير على عدم لزوم الاجتناب في الشبهة المحصورة مطلقا بأنّه لو كان واجبا ، لوجب الاجتناب أيضا لو علم بوقوع نجاسة من الميزاب مثلا ، وشكّ في أنّه وقع في الثوب أو القدح ؛ فإنّه أيضا شبهة محصورة ، واللازم باطل ؛ لوضوح عدم لزوم الاجتناب عن مثله ، فكذا الملزوم ولو كان من غير الفرض ؛ لعدم تعقّل الفرق بين الأقسام ، فأورد عليه الأوّل بإحداث الفرق وإبداء الفارق بين المفروض وغيره بأنّ طرفي الشبهة فيه ليسا (٣) بمتجانسين ، فلا يتمّ التقريب ، وعلى ما قلنا يظهر الوجه في ضعف الدليل والإيراد كليهما.
وقد يوجّه كلام صاحب الحدائق بوجه يرجع إلى ما بنينا عليه كأن يقال إنّ مراده أنّ مرجع لزوم الاجتناب عن الأرض النجسة إلى النهي عن الصلاة فيها بخلاف لزوم الاجتناب عن القدح ، فإنّه ينحلّ إلى النهي عن شربه مثلا ، فالخطابان مختلفان لا يعلم مخالفة أحدهما تفصيلا كما في الفرض الأوّل ، فالأصل براءة الذمّة عنهما معا مع عدم المعارض على ما ستعرفه إن شاء الله إلاّ أنّه لا يخفى ما فيه أيضا ، فإنّ تحليل الخطاب إلى ما ذكر يوجب التفصيل في المتجانسين أيضا في بعض الأحوال كما إذا كان هناك قدحان أحدهما من جنس المأكول ، والآخر من جنس المشروب ، فإنّ الاجتناب عن كلّ منهما في ظرف التحليل يرجع إلى (٤) النهي عن أكله وشربه ، ومثل ذلك لا يلتزم به أحد لا هو ولا غيره ، فتأمّل.
هذا تمام الكلام فيما يلزم عند عدم الاجتناب طرح خطاب تفصيلي ، وأمّا إذا لم
__________________
(١) الحدائق ١ : ٥١٧ ، وسيأتي عنه وعن المدارك أيضا في البراءة ٤٧٢.
(٢) مدارك الأحكام ١ : ١٠٨.
(٣) « ل » : ليس.
(٤) « ل » : عن.