إرشادي عقلي لا يورث ثوابا ولا عقابا ، وإلاّ يلزم أنّ من ترك واجبا ، أو أتى بمحرّم أن يعاقب بعقابين ولم يقل به أحد.
ودعوى استقرار بناء العقلاء على الاجتناب عن (١) مثل المقام عهدتها على مدّعيها ، بل لنا أن ندّعي أنّ بناءهم على الخلاف ؛ ألا ترى قبول عذر المرتكب لإحدى الواقعتين بعدم العلم؟
والقول بعدم الفرق (٢) بين المعلوم بالإجمال في المقام وغيره فيما يجب الاجتناب بعد وضوح الفرق واه جدّا ، وكفاك شاهدا في الفرق جواز تصريح الشارع بعدم اعتبار العلم الإجمالي في مثل المقام دون غيره كما لا يخفى.
ومنه ظهر أنّ اعتبار مثل العلم يحتاج إلى جعل فما لم يثبت فالأصل عدمه ؛ لأنّا نقول : لا يجوز ذلك مع توجّه الخطاب التفصيلي على المكلّف وبقائه على ظاهره كما هو كذلك.
نعم ، يجوز ذلك مع ارتكاب تأويل في ظاهر الخطاب كأن يقول : يجب عليك الاجتناب عن النجس إذا كان معلوما بالتفصيل.
وبالجملة ، إنّ مبنى هذا التحقيق أمران :
أحدهما : إبقاء الأوامر الشرعية على ظواهرها ، وعدم تقييدها بالعلم التفصيلي كما فعله البعض.
وثانيهما : عدم الاعتماد بالخطابات المنتزعة من الخطابات الشرعية الواردة في مقام بيان الأحكام ، فلا يصحّ في الفرض المذكور أن يقال : إنّ التكليف بالاجتناب المنتزع عن إحدى الواقعتين موجود إجمالا ؛ فإنّه ليس من الأدلّة الشرعية ، والقول باعتبار مثله يتوقّف على دعوى استقلال العقل ـ ولو بعد ملاحظة خطاب الشارع مجملا ـ بلزوم الاجتناب ، فيكون الخطاب التفصيلي خطابا عقليا وإن لم يكن شرعيّا ، ولا أظنّ
__________________
(١) « ل » : من.
(٢) « ل » : تفرّق.