الاحتياط ، أو التحريمية كاشتباه أحد الإناءين بالآخر ، فيحرم لو قصد ارتكاب الجميع في أوّل الأمر ، وإلاّ فلا وإن ارتكب الجميع أيضا ، ومبناه في الشبهة الوجوبية ظاهر ، وفي الشبهة التحريمية أنّه على الأوّل تعلّق قصده بارتكاب المحرّم فيحرم ، وعلى الثاني لم يقصده وإنّما ارتكبه (١) من غير اختيار واستناد إليه.
وتوضيحه يحتاج إلى مقدّمة وهي أنّ الألفاظ وإن قلنا بوضعها للمعاني الواقعية من غير استنادها إلى الاختيار وعدمه إلاّ أنّ وقوعها تلو الأمر والنهي يقضي (٢) بكونها ألفاظا للمعاني المستندة إلى الاختيار ، فقولنا : اضرب ، معناه طلب ضرب اختياري من المخاطب ، فلو ضرب وهو نائم ، لا يعدّ ممتثلا ، وعلى قياسه قولنا : لا تضرب مثلا (٣).
وإذ قد تمهّد هذه ، فنقول : إنّ المفصّل أراد أنّه عند عدم القصد والاختيار لا يكون منهيّا عنه ، فلا يحرم ، وكما أنّه لو أراد ضرب اليتيم تأديبا ، فضربه ، فبان مقتولا ، فإنّه لا يقال : إنّه قتل الطفل المنهيّ عنه اختيارا ، فكذا لو شرب أحد الإناءين لا بعنوان نجاسته بل رجاء (٤) منه بأنّ النجس إنّما هو الآخر ، ثمّ بان أنّ المشروب هو النجس ، لا يقال عرفا : إنّه قصد شرب النجس ، فليس منهيّا عنه ؛ لما تقدّم.
ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ المقدّمة المزبورة هي المسألة المعنونة في كلماتهم بأنّ الأصل في الأوامر أن يكون متعلّقها تعبّديا لا توصّليا ، و (٥) ليس على ما توهّم ؛ فإنّ الكلام في المقام من جهة اعتبار القصد والاختيار مطلقا (٦) ، وفيها من حيث قصد القربة وعدمها ، فالقاعدة المزبورة تغاير المسألة المذكورة ، وحينئذ يمكن منع الثاني ؛ لعدم الدليل على اعتبار أمر زائد على مطلق القصد بخلاف الأوّل كما هو ظاهر.
والجواب عنه أنّ ما ذكره من تعلّق الطلب بالأمور الاختيارية ممّا لا يدانيه شائبة
__________________
(١) « ل » : ارتكب.
(٢) « ل » : يقتضي.
(٣) « ل » : ـ مثلا.
(٤) « ش » : برجاء ( ظ ).
(٥) « ل » : ـ و.
(٦) « ل » : لا مطلقا.