وأمّا الثاني ، فلأنّ أحكام الخطأ ممّا يترتّب على نفس الخطأ ، ولا دخل لها للفعل ، فكما أنّ عند عدم العلم أحكام المعلوم مرفوع لا أحكام الشكّ لكون عدم العلم موضوعا لها ، فكذا حال الخطأ والنسيان أحكام الفعل المخطئ (١) فيه والمنسيّ مرفوع ، وأمّا الأحكام التي موضوعها الخطأ والنسيان ، فلا يرتبط بالمقام كما لا يخفى.
فإن قلت : إنّ المقصود في المقام هو القول بعدم وجوب الإعادة على الناسي عند التذكّر كما عرفت سابقا ، وإلاّ فالعقاب عنه مرفوع قطعا ، ولزوم الإعادة إنّما يترتّب على بقاء الأمر الأوّل ، فإنّها من آثاره ولوازمه فإنّها تنبعث (٢) من عدم انطباق المأتيّ به لما قد أمر به على وجهه ، ولا شكّ أنّ هذه صفة ينتزعها العقل ، ويعبّر عنها بفساد المأمور به ، فهذه الصفة ليست من الأمور المجعولة للشارع حتّى يقال بدلالة الحديث على رفعها ، فإنّ ما للشارع أن يضعه ، له أن يرفعه ، فلو حكم الشارع برفعه ، لزم التناقض بين الحكمين ، ولذلك (٣) ترى الشهيد الثاني (٤) يعترض على المستدلّ بالرواية في مثل المقام بأنّ الإعادة إنّما هو من آثار بقاء الأمر ، فلا يصحّ الاستدلال.
قلت : نعم ، ولكنّ المرفوع في المقام هو جعل الجزء المشكوك جزءا ، فلا يجب الإعادة ؛ إذ لو لم يكن المشكوك جزءا حال السهو لم يكن الإعادة واجبة ، وذلك ظاهر.
ثمّ إنّ في المقام شيئا يجب التنبيه عليه وهو [ أنّ ] التمسّك في رفع الأمور الوضعية ونحوها بالرواية إنّما يستقيم فيما لو كانت تلك الأحكام من الحقوق المتعلّقة بالله جلّ جلاله ؛ حيث إنّ الاستظهار المذكور من الرواية لا يتمّ إلاّ بعد اعتبار ورودها في مقام
__________________
(١) « ج » : ـ المخطئ.
(٢) ظاهر النسخ : ينعبث [ كذا ].
(٣) « س » : لذا.
(٤) انظر روض الجنان ٢ : ٥٤٨ وفي ط الحجري : ٢٠٥ وقارن بما ذهب إليه في تمهيد القواعد : ٧٣ ـ ٧٤.