قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) ـ إلى قوله (١) ـ (آياتٌ بَيِّناتٌ) ، ما هذه الآيات البيّنات؟
قال : مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه ، والحجر الأسود. ومنزل إسماعيل ـ عليه السّلام ـ.
أقول : أمّا كون المقام آية ، فلما ذكروا لارتفاعه بإبراهيم ـ عليه السّلام ـ حين كان أطول من الجبال ، كما يأتي ذكره.
وأمّا كون الحجر الأسود آية ، فلما ظهر منه للأولياء والأوصياء ـ عليهم السّلام ـ من العجائب ، إذ كان جوهرة جعلها الله مع آدم في الجنّة ، وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه الله الميثاق وأودعه عنده ، ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق ، يشهد لمن وافاه بالموافاة ولمن أدّى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالإنكار ، إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ولما ظهر لطائفه من تنطّقه لبعض المعصومين ـ عليهم السّلام ـ كالسّجّاد ـ عليه السّلام ـ حيث نازعه عمّه محمّد بن الحنفيّة في أمر الإمامة كما ورد في الرّوايات (٢) ، ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرّب غير مرّة.
وأمّا كون منزل إسماعيل آية ، فلأنّه أنزل من غير ماء فنبع له الماء ، وإنّما خصّ المقام بالذّكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنّه أظهر آياته اليوم للنّاس.
قيل (٣) : سبب هذا الأثر ، أنّه لمّا ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكّن من رفع الحجارة ، فغاصت فيه قدماه.
وقيل (٤) : إنّه لمّا جاء زائرا من الشّام ، فقالت له امرأة إسماعيل : انزل حتّى تغسل (٥) رأسك ، فلم ينزل ، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقّه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتّى غسلت شقّ رأسه ، ثمّ حولته إلى شقّه الأيسر حتّى غسلت الشّقّ الأيسر ، فبقي أثر قدمه عليه.
وفي الكافي : محمّد (٦) بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ،
__________________
(١) نقل الآية في المصدر بدل «إلى قوله».
(٢) هذا البحث بطوله موجود في غيبة الطوسي / ١٦.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٧٣.
(٤) الكشاف ١ / ٤٤٨.
(٥) المصدر : يغسل أ : تغتسل.
(٦) الكافي ٤ / ٢٢٣ ، ح ٢.