فالتّكذيب في كلام المعصومين ـ صلوات الله عليهم ـ إنّما يرجع إلى ما فهمه العامّة من حمله على الظّاهر ، دون أصل الحديث.
(وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) : بيان لكيفيّة تولّدهم منهما ، والمعنى : ونشر من تلك النّفس والرّوح المخلوق منهما ، بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف (١) الرّجال بالكثرة عن وصف النّساء بها ، لكونهم أصلا بالنّسبة إليهنّ ، وتوصيفهم يدلّ على توصيفهنّ.
وذكر «كثيرا» حملا على الجمع ، وترتيب الأمر بالتّقوى على هذه القصّة ، لما فيها من الدّلالة على القدرة القاهرة الّتي من حقّها أن تخشى ، والنّعمة الباهرة الّتي توجب طاعة مولاها. أو لأنّ المراد به ، تمهيد الأمر بالتّقوى فيما يتّصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه ، على ما دلّت عليه الآيات الّتي بعدها.
وقرئ : «وخالق وباثّ» على حذف مبتدأ ، تقديره : وهو خالق وباثّ (٢).
وفي كتاب العلل (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن بدء النّسل من ذرّيّة آدم ـ عليه السّلام ـ ، وقيل له : إنّ عندنا أناسا يقولون : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وإنّ هذا الخلق أصله كلّه من الإخوة والأخوات.
فقال ـ عليه السّلام ـ سبحان الله ، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، يقول من يقول هذا ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعل أصل صفوة خلقه وأحبّائه وأنبيائه ورسله [وحججه] (٤) والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال ، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطّهر الطّاهر الطّيّب ، والله لقد نبّئت (٥) : أنّ بعض البهائم تنكّرت له أخته ، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها ، وعلم أنّها أخته ، أخرج غرموله ، ثمّ قبض عليه بأسنانه ، ثمّ قلعه ، ثمّ خرّ ميّتا.
وأمّا ما رواه فيه (٦) : بإسناده إلى الحسن بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل
__________________
(١) ر : بذكر.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٢٠٢.
(٣) علل الشرائع / ١٧ ، ح ١. وللحديث تتمة قد سبق قبل قليل. وفيه : «سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ كيف بدؤ النسل من ذريّة آدم ـ عليه السّلام ـ وقيل له فإنّ عندنا أناسا» بدل «عن الصادق ـ عليه السّلام ـ (ألى قوله) إنّ عندنا أناسا».
(٤) من المصدر.
(٥) المصدر : نبأت.
(٦) نفس المصدر / ١٨ ، ح ٢.