وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان. وقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ (١) : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).
فقول الله ـ عزّ وجلّ ـ اصدق القول.
والحديث طويل ، أخذت منه موضع الحاجة.
وفي الآية دلالة على ذلك ، حيث أفادت أن ليس دينا مرضيّا عند الله سوى الإسلام ، ولو كان الإسلام أعمّ ، بمعنى ، أنّ الإسلام كان عبارة عن الإقرار بالتّوحيد والنّبوّة ، والإيمان عبارة عنهما. وعن الإقرار بالولاية ، لكان الإقراران بدون الولاية دينا مرضيّا عنده ، وليس كذلك بالاتّفاق منّا. لا يقال : الآية دلّت على أنّ الدّين المرضيّ ممّا يصدق عليه الإسلام ولم يدلّ على أنّ كلّ إسلام دين مرضيّ ، فلعلّه ذلك باعتبار بعض أفراده.
وأيضا يكفي في كونه مرضيّا كونه ممّا يحقن به الدّم ، وترتّب بعض الأحكام عليه ، ولا يلزم كونه ممّا يثاب عليه ويصير سبب نجاة في الآخرة ، لأنّا نقول في الجواب عن الأوّل : إنّ تعريف جزئي الجملة يفيد انحصار كلّ منهما في صاحبه كما حقّق في موضعه ، فيفيد أنّ الإسلام لا يكون دينا غير مرضيّ أصلا (٢). وعن الثّاني أنّ المتبادر الصّريح من كونه مرضيّا عند الله كونه ممّا يثيب عليه في الآخرة ، وأمّا كونه مرضيّا بالمعنى الّذي ذكرته فيما لا ينقاد له الذّهن أصلا ، فلا يحمل عليه بوجه.
وقرأ الكسائي بالفتح ، على أنه بدل «أنّه». وقرئ «إنّه» بالكسر ، و «أنّ» بالفتح ، على وقوع الفعل على الثّاني واعتراض ما بينهما ، وإجراء «شهد» مجرى «قال» تارة و «علم» أخرى ، لتضمّنه معناهما (٣).
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : في دين الإسلام ، فقال قوم : حقّ ، وقال قوم : مخصوص بالعرب ، ونفاه آخرون مطلقا.
وفي التّوحيد : فثلّث النّصارى. وقالت اليهود : عزير ابن الله. والّذين أوتوا الكتاب ، أصحاب الكتب المتقدّمة. وقيل (٤) : اليهود والنّصارى.
وقيل (٥) : هم قوم موسى اختلفوا بعده. وقيل : هم النّصارى اختلفوا في أمر عيسى.
__________________
(١) الحجرات / ١٤.
(٢) أ : «أو أصلا أو» بدل «أصلا و».
(٣) أنوار التنزيل ١ / ١٥٣.
(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.