يكونون منيخين ببصرى ، فإن تحققت الوفاة فنحن أسبق إليكم من الجواب قولا وفعلا ووعدا ونجحا فالعلة مزاحة والعسكر مستريحة والظهر قد استعد والمصلحة في الحركة ظاهرة وحجج انتقاد المنتقدين في هذه القضية ساقطة.
ثم قال : ولما سمع بوفاته تحرك عزمه وندم على النزوح من الشام مع قرب هذا المرام ، فكتب إلى ابن أخيه تقي الدين عمر وكذلك شحذ عزائم نوابه بالشام بتجديد المكاتبات لهم وبعثهم على الاستعداد وحملهم. وكان الفرنج بأنطاكية قد أغاروا على حارم وأتوا من السبي والنهب بالعظائم ، وأغار عسكر حلب على الراوندان وهي في عمل صلاح الدين ورسولهم عند الفرنج يستنجدهم ويغريهم به ، وراسلوا الحشيشية (الباطنية) فكتب السلطان صلاح الدين كتابا إلى الخليفة في بغداد يشرح الحال باللفظ العمادي ، وكان في جملة الكتاب ما معناه أن حلب من جملة البلاد التي اشتمل عليها تقليد أمير المؤمنين المستضيء بأمر الله له ، وإنما تركها في يد ابن نور الدين لأجل أبيه ، والآن فليرجع كل إلى حقه وليقنع برقه. ثم كتب إليه في كتاب آخر عند دخول صاحب الموصل حلب واستيلائه عليها (كما تقدم) فقال : دخل حلب مستوليا وحصل بها متعديا وعقود الخلفاء لا تحل والسيوف في أوجه أوليائهم لا تسل ، وإنه إن فتح باب المنازعة أدنى من ندامة وأبعد من سلامة ، وخرق ما يعي على الراقع وجذب الرداء فلم تغن فيه إلا حيلة الخالع ، وليس الاستيلاء بحجة في الولايات لطالبها ولا الدخول في الدار بموجب ملك غاصبها ، إلا أن تكون البلاد كالديار المصرية حين فتحها الخادم وأهله حيث الجماعة مستريبة والخلافة في غير أهلها غريبة والعقائد لغير الحق مستجيبة ، فتلك الولاية أولى من منحها من فتحها ، وكان سلطانها من أدخل في كان شيطانها ، وأما حلب فإن الكلمة فيها عالية والمنابر فيها بالاسم الشريف حالية ، فإنما تكون لمن قلدها لا لمن توردها ولمن بالحق تسلمها لا لمن بالباطل تسنمها ، ولو كانت حلب كما كانت مصر لدخلها الخادم ولم يشاور ولولجها ولم يناظر ، ولكنه أتى البيوت من أبوابها واستمطر القطار من سحابها. ثم ذكر أن المواصلة راسلوا الملاحدة الحشيشية واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين وواسطة بينهم وبين الفرنج ووعدهم بقلاع من يد الإسلام تقلع وضياع من فيء المسلمين توضع وبدار دعوة بحلب ينصب فيها علم الضلالة فيرفع ، ويا للعجب من الخصم يهدم دولة حق وهي تبنيه ومن العبد يبني ملكها بنفسه وماله وذويه ، وهي تراقب أعلاه فيه ودعواه في رسائلهم